للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى أن هَذَا أفضلُ حالاتِ الصلاةِ، وهوَ كذلكَ.

وقوله: {يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ} قد يقولُ قائلٌ: إنَّ ظاهرَ الآيةِ الكريمةِ أنَّهم يَسْهَرُون الليلَ؛ لِأَنَّهُ ذكرَ أن وَصْفَهم فِي حالِ البياتِ القيامُ والسجودُ، فهل معنى ذلك مشروعيَّة قِيَامِ الليلِ كلّه؟

نقولُ: إذا أَخَذْنَا بظاهرِ الآيةِ فَهُوَ كَذَلِك، ولَكِن ما جاءتْ بِهِ السنَّةُ يدلُّ عَلَى خلافِ هَذَا، وأنَّ أفضلَ ما يَكُونُ أنْ ينامَ الْإِنْسَانُ نصفَ الليلِ ويقوم ثُلُثَه، وينام سُدُسَه (١) كما كَانَ ذلك صلاة داود عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وصلاة النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَإِنَّهُ كَانَ ينامُ سَحَرًا ويقوم فِي جوفِ الليلِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيَكُون عَلَى هَذَا معناهُ أنَّهم يَبِيتُونَ غالبَ لَيْلِهِم، أو أن اللَّه يَكْتُبُ لهم أَجْرَ الصلاةِ والقيامِ، وإنْ كانوا بائتينَ، ما داموا عَلَى هَذِهِ النيَّة، وعلى هَذَا الفعلِ، ما داموا يفعلون ويَنْوُون أَنَّهُمْ إذا ناموا إِنَّمَا ينامون لِيَتَقَوَّوْا عَلَى القيامِ، فيكتب لَهُمْ أَجْره وإنْ كانوا نائمينَ.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: قوله: {يَبِيتُونَ} لا يَلْزَمُ منه القيامُ بالليلِ، بل المرادُ مُطْلَق القيامِ؟

الجواب: لكِن قَالَ اللَّه تَعَالَى: {يَبِيتُونَ} والبياتُ لا يَكُونُ إِلَّا باللَّيْلِ.

* * *


(١) أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب أحب الصلاة إلى اللَّه صلاة داود، وأحب الصيام إلى اللَّه صيام داود: كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوما ويفطر يوما، رقم (٣٤٢٠)، ومسلم: كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به أو فوت به حقا أو لم يفطر العيدين والتشريق، وبيان تفضيل صوم يوم، وإفطار يوم، رقم (١١٥٩).

<<  <   >  >>