(أَنْفِقُوا عَلَى عِيالهِم)، بل أطلقَ، فيَشْمَل كلَّ ما أنفقوهُ، عَلَى العِيَالِ وعلى غيرِهِم، فهَؤُلَاءِ إذا أَنْفَقُوا لم يُسْرِفُوا، والإسرافُ مُجَاوَزَةُ الحَدِّ كمِّيَّة أو كيفيَّة، {وَلَمْ يَقْتُرُوا} يُضَيِّقوا، فالإقتارُ هو الإقلالُ والتضييقُ، وفُهِم معناهُ مِمَّا قُوبِلَ بِهِ، وهو قولُه عَزَّ وَجَلَّ:{لَمْ يُسْرِفُوا}، مثل قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا}[النساء: ٧١]، {ثُبَاتٍ} لا يستطيعُ الْإِنْسَانُ أنْ يَعْرِفَ ما معناها أبدًا، لَكِن لمَّا قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{انفِرُوا جَمِيعًا} عَرَفْنَا أنَّ معنى (ثُبات): مُتَفَرِّقِينَ، وهذا مِمَّا يُعرف بِهِ تفسير القُرْآن، فيُعرف تفسير الكلمةِ بِمُقارنتها بما يُقابِلها.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{قَوَامًا} أي مُستقيمًا، وإنَّما قال:{قَوَامًا} يَعْنِي مُستقيمًا لِأَنَّهُ قد يميل إِلَى الإسرافِ وقد يميلُ إِلَى الإقتارِ بِحَسَبِ الحالِ، يَعْنِي ما بَيْنَ الإسرافِ والإقتارِ مَنْزِلةً، لَكِنْ قد يَكُون الأمرُ يَقتَضِي أنْ يميلَ إِلَى الإسرافِ، وقد يَكُون الأمرُ يَقتضي أنْ يميلَ إِلَى الإقتارِ، ولهذا قَالَ:{قَوَامًا}، فلم يَقُلْ:{وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ} وسكتَ، بل قَالَ:{قَوَامًا}؛ يَعْنِي مُستقيمًا، إنْ كَانَ الأمرُ يَتَطَلَّب أنْ يَزِيدُوا قليلًا عَلَى الوسَطِ زادوا، وإن كَانَ الأمرُ يَتَطَلَّب أنْ يَنْقُصُوا نَقَصُوا، مثالُ ذلكَ إذا قَدَّرنا أن الإنفاقَ فِي هَذِهِ الجهةِ إنفاق ألف دِرْهَم يُعْتبر إسرافًا، وإنفاق أربع مئة دِرْهم يُعتبر إقتارًا، بينهما الآن ست مئة دِرهم، أحيانًا تكون الحال تَقتضي أنْ يجعلوها تسعَ مئة، ويَكُون الفرق مئة، وأحيانًا تكون الحال تَتَطَلَّب أن يجعلوها خمس مئة،