لِأَنَّهُ لَيْسَ ممَّن حرم مِنَ الأَصْلِ، فلمَّا ارتدَّ صارَ وَصْفُه كافرًا، فلا يدخل فِي الأربعةِ، لكِن الزاني يَبْقَى عَلَى إسلامِهِ معَ زِنَاهُ، والقاتل يَبقَى عَلَى إسلامِهِ معَ قَتْلِهِ، فالمُرْتَدُّ نقولُ: سُلِبَ عنه وَصْفُ الإسلامِ، يَعْنِي زالَ عنه الوَصْفُ نَهَائِيًّا، فيَكُون غيرَ مُحْتَرَمٍ.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: هلِ المرادُ بقولِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "التَّارِكُ لِدِينِهِ المُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ" (١) المُرْتَدُّ التارِكُ لدينِه المفارِقُ للجَماعَةِ بعضُهم قَالَ: المرادُ قُطَّاع الطَّريقِ؛ لأنَّ قَطْعَ الطَّريقِ تَرْكٌ للدينِ؛ لأجلِ أنْ يَكُونَ الاستثناءُ مُتَّصِلًا، وبعضُهم قَالَ: إنَّ التاركَ لِدِينِهِ هو المرتَدُّ، ويَكُون الاستثناءُ بالنسبة إليه منقطِعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مسلمًا حينَ يَتْرُكُ دينَه إِلَّا باعتبارِ وصفٍ زالَ، والمفارق للجَماعَةِ هو الخارِجُ عَلَى الإمامِ.
قوله: {وَلَا يَزْنُونَ} لمَّا ذكرَ انتهاكَ الأنفسِ، ذكرَ انتهاكَ الأعراضِ، والزِّنا فِعْلُ الفاحشةِ فِي قُبُل أو دُبُر، فإن كَانَ بِذَكَرٍ سُمِّيَ لُواطًا، وإنْ كَانَ بِأُنْثَى فَهُوَ زِنا، وإنَّما لم يَذْكُرِ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اللُّواط لِأَنَّهُ أمرٌ مُسْتكْرَه مُسْتَبْعَد؛ لأنَّ الطبيعةَ لا تدعو إليه إِلَّا مَن نكس اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ طَبِيعَتَه وفِطْرَتَه؛ لِأَنَّهُ أخبثُ، ولأنَّ اللواطَ لا يَحِلُّ بحالٍ، والفرجُ يَحِلُّ بالزَّواجِ، ولهذا كانتِ عقوبةُ اللواطِ عَلَى القَوْلِ الراجحِ الإعدامَ بكلِّ حالٍ، سواء كَانَ مُحْصَنًا أم غيرَ محصنٍ؛ لِأَنَّهُ فرج لا يُباح بحالٍ، ثم إنَّه أمر لا يُمْكِن التحرُّز منه، فلا يُمْكِن تَطهيرُ المجتمعِ إِلَّا بإعدامِ الفاعلِ والمَفْعُولِ به.
وكَذَلِك أَيْضًا عَلَى القَوْلِ الراجحِ الزِّنا بذواتِ المحارِمِ يُوجِبُ القتل بكلِّ حالٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الفرج لا يُباح بحالٍ مِنَ الأحوالِ، وقد وردَ فِي ذلكَ حديثٌ
(١) أخرجه البخاري: كتاب الديات، باب قول اللَّه تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}، رقم (٦٨٧٨)، ومسلم: كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب ما يباح به دم المسلم، رقم (١٦٧٦).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute