للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: {لَمْ يَخِرُّوا} يقولُ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [لم يسقُطوا] وإنما يُقْبِلون عَلَيْهَا إقبالَ سامعٍ مُبْصِرٍ، لا أَنَّهُمْ يسقطون عَلَيْهَا عَلَى هَذَا الوجهِ.

فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: هَذِهِ الصِّفة سلبيةٌ، والصِّفاتُ الثُّبُوتِيَّة أبلغُ فِي الثناءِ، فلماذا لم يَقُلْ: إذا ذُكِّروا بآياتِ ربِّهم أَقْبَلُوا عَلَيْهَا مُبْصِرِينَ سَامعينَ؟

نقول: حَتَّى إذا قُلْنَا: إن هَذَا النفيَ يَتَضَمَّن إثباتًا، والنفي -كما تَقَدَّم- لا يَكُون مَدْحًا إِلَّا إذا تَضمَّنَ إثباتًا، لَكِنَّنَا نقول: لمِاذا لم يُثْبِت أصلًا فلا يَرْتَفِع الإِشْكالُ؟ إِنَّمَا يقال: إِنَّهُ تَعْرِيض بهَؤُلَاءِ الَّذِينَ إذا ذُكِّروا بآياتِ ربِّهم خَرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وعُميانًا، فهم عَلَى نَقِيضِهم، لكِن نقول: لِماذا لم يَقُلْ: خَرُّوا عَلَيْهَا مُبْصِرِينَ سَامعينَ؟ مِنْ أجْلِ السَبَبِ الَّذِي ذكرتُ، ومن المعروفِ أنَّ هَذِهِ السُّورة من أَوَّلها إِلَى آخِرِها فِي مُجَادَلَةِ المنكِرِينَ لمِا جاءَ بِهِ الرَّسولُ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهم إذا كانوا مُنْكِرِينَ يَخِرُّونَ عَلَى الآياتِ صُمًّا وعميانًا، فهذا -واللَّهُ أَعْلَمُ- وجهُ المناسبةِ فِي العدولِ عن ذكرِ الصِّفةِ الثبوتيَّة إِلَى ذِكرِ الصِّفةِ السلبيَّةِ، ولهذا قَالَ المُفَسِّر: [بلْ خرُّوا سامعينَ ناظرينَ منتفعينَ].

* * *

<<  <   >  >>