للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم إذا أُلقُوا على هَذَا الوصف يُدْعَوْنَ بالثُّبور والعياذ باللَّه {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} يعني: يقولون واهَلَاكَنا واثُبُورَنا، وما أشبهَ ذَلِكَ، فيقال لهم: {لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا}، هَذَا على سبيل التوبيخِ؛ لِأَنَّ العادةَ أن الرجلَ إذا دَعَا بالثبورِ في الدُّنْيا رُحِم، ولكنَّهم هناك لا يُرحَمون، يقال لهم: إِنَّ دَعْوَاكُم بالثبورِ لا تفيدكم شيئًا {وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا} فالعذاب سَيَسْتَمِرّ، وكل هَذَا يُوجِب لأهلِ النارِ -نسأل اللَّه السلامة منها- أَنَّهُمْ يُعذَّبون عذابًا قلبيًّا وعذابًا جسميًّا، والعذاب القلبيّ قد يَكُون في بعض الأحيان أشدَّ من العذاب الجسميِّ، والعياذ باللَّه، فهم لا يُكَرَّمون لا بالفعلِ ولا بالاستقبالِ ولا بالقولِ.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: ما ذُكِرَ عن هَؤُلَاءِ الكفارِ فيما سبقَ من الآياتِ يَدُلّ على أَنَّهُمْ لا يؤمنون بالبَعث، فلماذا نصَّ على تكذيبهم بالبَعث؟

صحيحٌ أن ما ذكر عنهم مما سَبَقَ يدل على أَنَّهُمْ لا يؤمنون بالبعثِ؛ لِأَنَّ مَن آمَنَ بالبَعث لَزِمَ أنْ يَعْمَلَ له، ولكن هَذَا في الحقيقة من جملةِ ما قالوه؛ أَنَّهُمْ كذبوا بالبعث، فَهُوَ إضافة إلى ما سبقَ، لكِن يَنبغي أن نقولَ: لماذا ذُكِرَ بـ (بل) دون (الواو)، مع أن المعائب أو المساوئ الَّتِي سبقت كلها ذُكرت بالواو، وهَذِهِ ذكرت بـ (بل)؟ قد يوحي هَذَا بأن من أسباب أقوالهم السابقة أَنَّهُمْ كذبوا بالساعةِ، يعني أَنَّهُمْ ليس عندهم إيمان بالساعة، ولو آمنوا بها ما قَالُوا ما سبق.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: هل كل كفَّار العرب يُنكِرون الساعة؟

الجوابُ: الظاهرُ لَيْسُوا كلهم ينكرون هذا، فبعضهم يُقِرّ بهذا، لَكِنَّهُ يُشرِك باللَّه، ولكن يذكر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الأفعالَ منسوبةً إلى الأُمَّة جميعًا، حتى إِنَّهُ أحيانًا يخاطِب آخِرَ الأُمة بما فعل أوَّلهُا؛ لِأَنَّهَا تَرضَى به وتُقِرّه، انظر مثلًا يخاطب اللَّه بني إسرائيل

<<  <   >  >>