للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يجعلَ الآيةَ من باب العامِّ الَّذِي أُريد به الخاصُّ، فهذا غير مسلَّم؛ لِأنَّهُ لا دليل على ذلك؛ فلا دليل عَلَى أَنَّ المراد به الخاصّ، بل الآيةُ عامَّة، لكِن تشمل عُقبةَ وغيرَه، فالصواب أنها عامَّة لكلِّ ظالمٍ؛ وذلك لأنَّ الأَصْل بقاء العموم على ما هو عليه حتى يقومَ دليلٌ عَلَى أَنَّ المراد به الخاصُّ، وهنا قوله: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ} عامٌّ لِعُقْبَة وغيره.

قَالَ المُفَسِّر: [{عَلَى يَدَيْهِ} نَدمًا وتحَسُّرًا في يوم القيامةِ، {يَقُولُ يَالَيْتَنِي}] إلى آخره، {يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} العَضُّ على اليد يدلّ على الندمِ والتحسُّر، ولهذا بعض النَّاس إذا فاته الأمرُ تراه يَعَضّ يده ثم يُصَفِّق بيدِه، يعني أَنَّهُ فاته، فَهُوَ دليلٌ على التحسّر والندَم، وما أعظمَ الحسرةَ والندمَ حينَ يرى المؤمنين في حال والظالمين في حال، وهذا أعظمُ ما يَكُون.

ففي هَذِهِ الآية أمَر اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بأن تذكر حال المجرمين يومئذٍ من الندم والتحسُّر العظيم والعَضّ على الأيدي.

وقوله: {عَلَى يَدَيْهِ} زَعَمَ علماءُ البيانِ أنَّ في الآيه مجازًا؛ لِأَنَّ الإنْسَانَ لا يَعَضّ على يده كلِّها، ولو أراد أن يَعَضَّ على يدِه كلِّها ما استطاعَ، يقولون: المراد باليدينِ الأصابع، لِأَنَّهُ لا يمكِن أنْ يَعَضَّ على اليد كلِّها، ولكننا نقول: في الحقيقة لا مجاز في الآية؛ لِأَنَّهُ إذا دلَّ السياقُ على معنًى فَهُوَ المرادُ، كلٌّ يعرِف أن المرادَ: يَعَضّ الظالم على يديه يعني على أصابعِه، فهي لم تدلَّ على اليدِ كلِّها من الأَصْل بحسَب السياقِ حتى نقول: إنها نُزِّلت عن معناها إلى المعنى الثَّاني، وهذا الَّذِي قرَّرناه هو الَّذِي أوجبَ لشيخِ الإسلام ابن تيميَّة رَحِمَهُ اللَّهُ أن ينكِر وجودَ المجازِ في اللغةِ العربيَّة؛ لِأَنَّ شيخ الإسلام رَحِمَهُ اللَّهُ لا يرى وجود المجاز في اللغة العربية إطلاقًا؛ لا في القُرْآنِ

<<  <   >  >>