إِن الله يتَكَلَّم كلَاما بعد كَلَام لِأَن ذَلِك يُوجب حُدُوث الْكَلَام وَإِنَّمَا يَتَجَدَّد الإسماع والإفهام وَنصب الْعبارَات وَإِقَامَة الدلالات على الْكَلَام الَّذِي لم يزل مَوْجُودا وحدوث الدّلَالَة والعبارة لَا يَقْتَضِي حُدُوث الْمَدْلُول الْمعبر عَنهُ كَمَا أَن حُدُوث الذّكر وَالدُّعَاء لَا يَقْتَضِي حُدُوث الْمَذْكُور والمدعو ولسنا نقُول أَيْضا أَن الله عز وَجل إِنَّمَا تكلم فِي الْأَزَل ثمَّ لم يتَكَلَّم بعد ذَلِك كَمَا توهمه بعض من غلط على أصولنا فَظن أَنا إِذا قُلْنَا إِن لله كلَاما وَاحِدًا لم يزل بِهِ متكلما وَلَا يزَال بِهِ متكلما فقد قُلْنَا أَنه تكلم بِهِ مرّة ثمَّ لم يتَكَلَّم بِهِ بعد ذَلِك حَتَّى حمله إِنْكَار ذَلِك على القَوْل بِأَن الله يتَكَلَّم كلَاما بعد كَلَام لَا سكت بَينهمَا وَلَا صمت فنقض بذلك أَصله أَن كَلَام الله غير حَادث وَلَا متجدد وَأَبَان عَن خَفَاء مَا ذَهَبْنَا عَلَيْهِ وتوهمه بِخِلَاف مَا هُوَ بِهِ وَذَلِكَ أَنا نقُول
إِن الله لم يزل متكلما وَلَا يزَال متكلما وَإنَّهُ قد أحَاط كَلَامه بِجَمِيعِ مَعَاني الْأَمر وَالنَّهْي وَالْخَبَر والإستخبار وَأَن الْعبارَات عَنهُ والدلالات كَثِيرَة تتجدد وتتزايد وَلَا يزِيد بتزايد الْعبارَات كَمَا أَن الدلالات على الله عز ذكره تتجدد وتتزايد وَلَا يَقْتَضِي تجدّد الْمَدْلُول وتزايده فَإِذا حصلت هَذَا الأَصْل علمت حَقِيقَة مَا نقُول وَأَن الْغَلَط فِي ذَلِك إِنَّمَا وَقع لمن توهم أَن تَجْدِيد الْعبارَات تَجْدِيد الْكَلَام وَلم يفرق على الْحَقِيقَة بَين مَا هُوَ كَلَام لى الْحَقِيقَة وَبَين مَا هُوَ عبارَة عَنهُ ودلالات عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute