للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وللعرب الأول فيها صفاتٌ، فأمّا المحدثون فما نعرف لأحدٍ فيها شيئاً غير أبي نواس، فإنّه وصف صيدها وذكرها في مرثيته خلفاً الأحمر، وجاء بها مثلاً أنّها لا تنجو من الموت فقال:

لا تَئِلُ العُصْمُ في الهِضَابِ ولا ... شَغْوَاءُ تَغْذُو فَرْخَيْنِ في لَجَفِ

يُحْصِنُهَا الجَوُّ بالنَّهارِ ويُؤْ ... وِيها سَوَادُ الدُّجَى إِلى شَعَفِ

تَحْنُو بجُؤْشُوشِهَا على ضَرِمٍ ... كقِعْدَة المُنْحَنِى من الخَرَفِ

تحنو: تعطف، بجؤشوشها: بصدرها، الشَّغواء: العقاب، سميت بذلك لاختلاف منسرها الأعلى والأسفل، والشَّغا: أن يطول بعض الأسنان ويقصر بعضٌ، واللَّجف: ما أشرف من الصَّخر على الغار في الجبل.

وقال امرؤ القيس في العقاب:

كأَنّى بفَتْخَاءِ الجَناحَيْنِ لَقْوَةٍ ... على عَجَلٍ مِنّى أُطَأْطِىءُ شِمْلالِى

تَخَطَّفُ خِزَّان الشَّرَبَّةِ بالضُّحَى ... وقد حُجِرَتْ منها ثَعَالِبُ أَوْرالِ

كأَنّ قُلُوبَ الطَّيْرِ رَطْباً ويابِساً ... لَدَى وَكْرِهَا العُنّابُ والحَشَفُ البَالِى

هذا من أجود تشبهٍ للعرب صحّة معنى، وفصاحة لفظٍ، وجودة أقسام.

ولغيره:

عُقَابٌ عَقَبْنَاةٌ كأَنّ جَناحَهَا ... وخرطومَهَا الأَعْلَى بنارٍ ملَوَّحُ

يقال عقاب عقبناةٌ وعقنباةٌ، وهي ذوات المخالب.

ولشرشير:

وقُلَّةِ طَوْدِ مُشْمَخِرٍّ شِعَافُهُ ... لِمُلْتَمِسٍ قَصْدَ السَّبِيل مُزِيلِ

به وَكْرُ فَتْخَاءِ الجَنَاحَيْنِ لَقْوَةٍ ... شَدِيدَةِ أَرْسَاغِ الأَكُفِّ قَتُولِ

تُقَلْبُ عَيْنَىْ مُسْتَريبٍ أَكَنَّتَا ... بِقَلْتَىْ أَشَمِّ المَارِنَيْن أَسِيلِ

له جُؤْجُؤٌ كالفِهْرِ يَكْتَنُّ زَروَهُ ... بمُحْتَنكٍ صَدْقِ الظّهَارِ جَدِيلِ

وساقَا ظَلِيمٍ لوْ ظَنَابِيبُه عَلَتْ ... رَحِيبَا أَكفٍّ غَيْر ذَاتِ حجُولِ

أَظَافِيرُها حُجْنُ الأَشَافِى كأَنَّهَا ... شُعُوبُ صَياصِى في قُرُونِ وُعُولِ

فلمّا تَرَاءَى الوَحْشُ مُنْحَرِفاً دَعَتْ ... لأَعمارِهَا آجالُها برَحِيلِ

في الزُّمَّج

الزُّمَّج أخبث الجارج طبعاً، وأشدُّه مكراً، وربّما تناول عين الحامل له آنس ما كان به.

وحدَّثنا جحظة قال: كان بظهر الكوفة أعرابيّ له زمَّجٌّ يصيد بها في كلّ يومٍ ظبياً، فيتقوَّت به هو وعياله، فاتَّل خبرها بالواثق، فوجَّه في طلبها بخادمٍ له، فذكر الخادم أنّه وافى الأعرابيَّ وهو جالسٌ بفناء بيته، فسلَّم، فردَّ عليه وقال: ما أنت؟ قال: ضيفٌ، قال: انزل بالرُّحب والسَّعة، فنزل، وقام الأعرابيّ فدخل إلى بيته، وخرج إليه، فجلس معه يحدِّثه حتى قرب وقت الغداء، ثمّ دخل فأخرج إليه كالدَّجاجة العظيمة مشويّةً، فأكلاها، فلمّا أكل قال: أنا رسول أمير المؤمنين، جئتك في طلب الزُّمَّج، قال: يا هذا، هلاّ تكلَّمت قبل ذلك؟ جئتنى والله وما كان في بيتي شيءٌ، غير الزُّمَّج، فلم أدر ما أقريك، فذبحتها وشويتها وأكلناها.

فرجع الخادم إلى الواثق فأخبره الخبر، فعجب من كرم الأعرابيّ، ووجَّه فحمله ووصله بألف دينار.

ورأى المحدثين في الزُّمَّج كرأيهم في العقاب، لقلَّة وصفهم له، وما نعرف فيها غير قول بعضهم:

أَعَددتُ للنّدْمَانِ صَيْدَ زُمَّجِ

عَبْلِ السَّرَاةِ ذي قَوَامٍ عَسْلَجِ

كأَنّه في قَرْطَقٍ مُدَبَّج

بينَ ذُنَابَاهُ وبَيْنَ المنْسجِ

رِيشٌ كمِثْلِ الحُبُكِ المُزَبْرَجِ

يَدفُّ فِعْلَ العائِمِ المُلَجِّجِ

حُجْنٌ خَطَاطِيفُ بكَفَّىْ أَهْوَجِ

تَظُنُّهَا مَخْلوقَةً من عَوْسَجِ

ذي منْسَرٍ كقَرْنِ ظَبْىٍ أَدْعَجِ

وساقِ هِقْلٍ خاضِبِ مُضرَّجِ

أَطلقْتُه في يَومِ دَجْنٍ مُبْهِجِ

فرُحْتُ للشَّرْبِ بعَيْشٍ رَهْوَجِ

أَوْسَعْتُهمْ من القَدِيدِ المُنْضَجِ

ومن حَنِيذِ المُعَجَلِ المُلَهْوَجِ

[في عناق الأرض الانثى]

لأحمد بن طاهر: وَيْل بنَاتش الأَرْضِ من لَعُوبِ

<<  <   >  >>