للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بمَا حَامَوْا عَليَّ غَدَاة دَارَتْ ... بوَادِي الأَخْرَمَيْنِ رَحَى صُدَاءِ

بضرْبٍ تَشْخَصُ الأَبْصَارُ منه ... وطَعْنٍ مِثْل إفْرَاغِ الدِّلاءِ

صبَاحَ الخيْلِ دامِيَة كُلاَهَا ... تَرَقَّصُ بالفَوارِس كالظِّبَاءِ

وأَعْرَض فارِسُ الهَيْجاءِ جَحْشٌ ... وجَحْشٌ نِعْمَ حامِيَةُ النِّسَاءِ

فنَادَى في العَجَاجة أَيْن عَمْرٌو ... كأَنّي فَقْعَةٌ أَو طَيْرُ مَاءِ

فأَطعُنُهُ وقلْتُ له خُذَنْهَا ... مُشَوّهةً تَبَجَّسُ بالدِّماءِ

فما افْترَقَتْ لذَاك بَنَاتُ نَعْشٍ ... ولا كسَفَتْ له شَمْسُ السماءِ

قَتلْنا منهُمُ سبعين جَحْشاً ... ووَلَّوْنَا بأَقْفِيَةِ الإِماءِ

وأُبْنَا بالهِجَانِ مُرَدَّفاتٍ ... خَطبْناهنّ بالأَسَلِ الظِّمَاءِ

وقُدْنَا مِنْهُمُ سَرَوَاتِ قوْمٍ ... كجُرْبِ الإِبْلِ تُطْلَى بالهِنَاءِ

وقال المُشسمْرِخ الصُّدَائيّ:

يالَ الرِّجَالِ لحَادِثِ الأَسْبابِ ... ولِمَا لَقِينَا من بَنِي عَتَّابِ

كُنّا أُنَاساً لا يُرَوَّعُ سِرْبُنَا ... في مَنْزِلٍ من مَنْزِلِ الأَرْبَابِ

حتَّى رَمَى عَمْرٌو قرِيعَةَ أَرْضِنَا ... خَيْلاً تَقدَّمُها ذَوُو الأَحْسَابِ

مِن تَغلِبَ الغلْباءِ طَعْنُ رِماحِهمْ ... أَوْدَى لعَمْرُ أَبِيك بالأَحْزابِ

لمَّا رَأَيْناه يُحَضِّضُ خَيْلَه ... والنَّقْعُ مُعْتلِجُ العَجَاجَةِ كَابِي

والحَيُّ من جُشَمَ بنِ بَكْرٍ حَوْلَه ... يَتبَادَرون دَعَوْتُ في أَصْحَابي

فحمَى الذِّمارَ ذَوُو الحِفَاظ فقُتِّلوا ... وجَثَا بَقيّتُهُمْ على الأَعْقَابِ

وكان في الأَسْرَى عبدُ الله بنُ سُوَيْدٍ الصُّدَائِيّ، وكان قد قَتلَ يومئذٍ في بني تغْلِبَ، فأَخذه عَمْرٌو ليَقْتُله فقال:

ما في رَبِيعَة مَرْجُوٌّ ولا مُضَرٍ ... أَوْلَى بها مِنْك يا عَمْرو بن كُلْثومِ

إِنّ الأَرَاقِمَ لنْ تَنْفكَّ صَالحةً ... مُبَرَّئينَ من الفحْشاءِ واللُّومِ

ما دَافع اللهُ عن عُمَرٍو مَنِيَّتَه ... فاخْتَرْ فِدًى لك بَيْن المَنِّ والكُومِ

فقال عَمروٌ: اشْترِ نفْسَك. فأَعْطاهُ حتَّى رَضِيَ، فقال عَمْرٌو: لك مِن مالي ما عَرَضْت، ولك نَفْسُك. فمَنَّ عليه، وحَمَله وكَسَاهُ.

يَومُ سَفْحِ مُتَالِعٍ

وهو يومُ لبني تَغلِبَ على بني تميمٍ أَغارَ عَلْقمَةُ بن سَيْفِ بن شَرَاحِيل بن مَعْشرِ بنِ مالِك بن جُشم بنِ بَكْرٍ، على أَخْلاطِ تميمٍ فلَقِيَهم بسَفْحِ مُتالِعٍ: جَبَلٍ ممّا يَلِي الحِجاز، وكان مَقادُهُ إِليهم قريباً من شهْرٍ، فلمّا الْتَقوْا نادَتْ تميمٌ: ياَل خِنْدِف. ونادَتْ تَغلِبُ: يالَ تَغْلِبَ، وتَعَاظمَ الشَّرُّ بينهم، وَثبَتتْ أَخْلاطُ تميم وبنو سَعْدٍ، حتى أَسرَعَ القتْلُ فيهِم وحَمَل ابنُ قَوْزَعٍ الكِسْرِيُّ كِسْر بن كعْبِ بنِ زُهَيْر بن جُشَم بنِ بكر على خَيْثَمةَ السَّعْدِيّ، وكان فارِسَ بني سَعْد، فصَرَعَهُ، وأَفْلتَ الحارثُ بن الأضْبَطِ بطَعْنةٍ مات منها بَعْدُ، وأُجْلِيَت تميمٌ عن الدار بعدَ قَتْلٍ كثِيرٍ، وأَصابَتْ بنو تَغلبَ النّسَاءَ والأَمْوَالَ والأَسْرَى، ولم يبق أَهلُ بيْتٍ في تميم إِلاّ وقد أُصيبوا بمُصِيبةٍ، وقال ابن قَوْزَعٍ الكِسْريّ في ذلك:

لَعَمْرُك ما قَاد الجِيَادَ على الوَغَى ... مَقَادَ ابنِ سَيْفٍ فارِسِ الخَيْلِ عَلْقمَهْ

أَبَاحَ تمِيماً يَوْم سَفْحِ مُتَالِعٍ ... بخَيْلٍ كأَمْثالِ القِدَاحِ مُسَوَّمَهْ

أَصَابَ بها شَهْراً على كُلِّ علَّةٍ ... لهَا مِنْ تَشَكِّيها أَنِينٌ وحَمْحَمَهْ

فأَوْرَدَها قبْلَ الصَّباحِ مُتَالِعاً ... صِحَاحاً فجَالَتْ في العَجَاجِ مُكلَّمَهْ

<<  <   >  >>