بَاكَرْتُهَا بصَادِقِ الكَرَّاتِ
على الشّمَال حَسَنِ الثَّبَاتِ
فمرَّ نَحْوَ الطَّيْرِ ذا الْتِفَاتِ
يَحْفِزُهُ قَلْبٌ لَهُ مُوَاتِى
يَمْنَحُهَا مشْقاً على السَّرَاتِ
ضَرْبَ أَخِى الطَّبْطَابِ للكُرَاتِ
فكُلُّهنّ لافِظُ الحَبّاتِ
لَمَّا تَوَافَيْنَ من المِيقاتِ
ولابن المعتزّ في شاهين صاد غراباً:
أٌقْبَل يَفْرِي ويدَعْ
مُمْلِتَىَْ اللَّحْظِ جَزَعْ
مُسْتَرْوِعاً ولَم يُرَعْ
تُبْصِرُهُ إِذا وَقَعْ
كفَرْدِ خُفٍّ مُنْتَزَعْ
إِذا رَأَى الرَّوْضَ رَتَعْ
لمّا رأَى وَجْهَ الفَزَعْ
طارَ قَرِيباً وانْقَمَعْ
وصَكَّهُ ثَقْفٌ خَدِعْ
ففرَّقَ النَّعْبَ قِطَعْ
وليس في العيش طَمَعْ
في الصُّقور
الصقر أصبرها على الحرّ والبرد، وأحملها لتأخُّر الطُّعم، والعرب تسمِّيه الأجدل، وجماعه الأجادل: قال عبد مناف بن ربعٍ الهذليّ:
يُخُوتُونَ أُخْرى القَوْمِ خَوْتَ الأَجادِلِ
والخائتة: العقاب التي تختات، وهو صوت جناحها. فاستعاره للصُّقور، ويقال للصَّقر أيضاً: المضرحىُّ، قال طرفة:
كأَنَّ جَنَاحَىْ مَضْرَحِىٍّ تَكنَّفَا ... جِفَافَيْهِ شُكَّا في العَسِيبِ بمِسْرَدِ
وتسميِّه القطامىّ والقطاميّ، والعرب تشبِّه خيولهم في سرعتا به إذا انقضَّ، وإذا رصفوا رجلاً بالذّكاء، وحدَّة الخاطر والناظر شبَّهوه بالصقر، قال جريرٌ يرثى ابنه:
مَضَى جُنَادَةُ يَجْلو مُقْلَتَىْ ضَرِمٍ ... مُصَرْصِرٍ بَاتَ فوقَ المَرٌقَبِ العَالِى
وقال آخر:
ويَنْظُرُ في أَعطافه نَظَرَ الصَّقْرِ
ومثل هذا في أشعارهم كثيرٌ.
وقال أبو صفوان الأسديّ يصفه بعد ذكره فرخ قمرية.
وقد صادَهُ ضَرِمٌ مُلْحَمٌ ... خَفوقُ الجَنَاحِ حَثِيثُ النَّجَا
حَدِيدُ المَخَالِبِ عارِى الوَظي ... فِ ضارٍ من الزُّرْق فيه قَنَا
تَرَى الوَحشَ والطَّيْرَ من خَوْفه ... جَوَاحِرَ منه إِذا ما اغْتَدَى
فباتَ عَذُوباً على مَرْقَبٍ ... بشَاهِقَةٍ صَعْبَةِ المُرْتَقَى
فلمَا أَضاءَ له صُبْحُه ... ونَكَّبَ عن مَنكِبَيْهِ النَّدَى
وحَثَّ بمِخْلَبِه قَارِتاً ... على خَطْمِه مِن دِمَاءِ القَطَا
فصَاعَدَ في الجَوِّ ثمّ اسْتدا ... رَ ضارٍ خبيثٌ إِذا ما انْصَمَى
فآنسَ سِرْبَ قَطاً قَارِبٍ ... جَبَا مَنْهَلٍ لم تَجُحْهُ الدِّلاَ
فأَقْعَصَ منهنّ كُدْرِيَّةً ... فمَزَّقَ حَيْزُومَها والحَشَا
وعلى هذه السبيل كانت صفاتهم للصقور والعقبان، لا أنَّهم هم الّذين صادوا ولا أدَّبوها.
وقال أبو نواس:
لا صَيْدَ إِلاَّ بالصقور اللُّمَّحِ
كلِّ قطَامىّ بَعِيدِ المطْرَحِ
يَجْلُو حِجَاجَىمُقْلةٍ لم تجْرَحِ
لم تَغْذُهُ باللَّبَنِ المُضيَّحِ
أُمٌّ ولم يُولدْ بسَهْلِ الأَبْطَحِ
إِلاّ بأَشْرَافِ الجِبَالِ الطُّمَّحِ
يُلْوِى بخِزَّانِ الصَّحَارَى الجُمَّحِ
بسَلَبٍ كالنَّيْزَكِ المُذَرَّحِ
ومِنْسَرٍ أَشغَى كأَنْفِ المِجْدَحٍ
أَبْرَشِ ما بينَ القَنَا والمَذْبَحِ
وممَّاع ملح فيه أبو نواس جعل الدِّرهم صقراً، وأضافه إلى الطَّرد فقال:
أَنعتُ صَقْراً يَنْعَتُ الصقورَا
مُظَفَّراً أَبيضَ مُستدِيرَا
وِلاَدَ شَهْرٍ وَاضِحاً مُنِيرَا
تَخالُه في قَدِّه العَبُورَا
مُكَرَّماً يَجْتنِبُ الصَّفِيرَا
إِلاّ إِذا حُرِّك أَو أُثيِرَا
فهْو صَغِيرٌ يَفْعَلُ الكَبِيرَا
تَرَى الحَمَاليقَ إليه صُورَا
والصَّيْد يأْتِيك به مِسرورَا
ينْعشُ ذا الحاجَة والفَقِيرَا
يَخْتطِف الأَرنبَ واليَعفورَا
ولو بَغَى مُرْسِلُهُ النُّسورَا
والوَحْشَ جَمْعاً أضو بَغَى العَشِيرَا
لَجاءَ سهْلاً سِلِساً يَسِيرَا
ما آبَ مَن صادَ به مَبْهُورَا