أَنّى وفَى بِيَ قِرْوَاشٌ وأُسْرَتُهُ ... أَيّامَ يُتَّخَذُ الجِيرَانُ أَزْوَادَا
أنّى وَفَتْ بِيَ قَبْلَ اليَومِ ذِمَّتُه ... إنّ الكَرِيمَ إِذا اسْتَرْفَدْتَهُ زَادَا
مِن كُلِّ ذِرْوَةِ مَجْدٍ نَالَهَا أَحدٌ ... أَوْرَثَهَا صِرْمَةُ الضَّبِّيُّ أَوْلاَدَا
يَومُ ذِي الأَثْلِ
وفيه مَقْتَلُ صَخْر بن عَمْرو بن الشَّرِيدِ، قَتَلَه رَبِيعَةُ بن ثَوْرٍ الأَسدِيُّ.
قال أَبو عُبَيْدة: غَزَا صَخْرُ بن عَمروٍ، وأَنَسُ بن عَبّاسٍ الرِّعْليُّ، من بني سُلَيم، بَني أَسَد بن خُزَيمة، في بني عَوفٍ وبني خُفَافٍ، وكانا مُتَسانِدَينِ، صَخرٌ على بني خُفَافٍ، وأَنسٌ على بني عَوْفٍ، فاكتسَحَا أَمْوَالَ بني أَسدٍ، وسَبَيَا ومَضَيَا، فأَتَى بني أَسَدٍ الصَّريخُ، فتَبِعُوهُم حتى لحقوهُم بذاتِ الأثل، فاقتتَلوا قِتَالاً شديداً، وطَعَنَ ربيعَةُ بنُ ثَوْرٍ الأَسَدِيُّ صَخْراً في جَنْبه، فأَدْخَلَ جَوْفَهُ حَلَقاً من الدِّرْع، فانْدَمَل عليه، ونَتَأَتْ من الطَّعْنَة قِطْعَةٌ تَدَلَّتْ واستَرخَتْ، فمَرَضَ لذلك، وبقي شُهُوراً، فسَمِعَ ذاتَ يومٍ امرأَةً تُسائلُ امرأَته سَلْمَى: كيْف تَرَيْنَ صَخْراً؟ قَالت: لاحَيٌّ فيُرْجَى، ولا ميِّتٌ فيُنْعَى لَقِينَا منه الأَمَرَّيْنِ، فقال صَخرٌ حين سَمِعَ مقالتَهَا:
أَرَى أُمَّ صَخْرٍ ما تَمَلُّ عِيَادَتِي ... ومَلَّتْ سُلَيْمَى مَضجَعِي ومَكَانِي
فأَيُّ امْرِئٍ ساوَى بأُمٍّ حَلِيلةً ... فلا عَاشَ إِلاَّ في شَقاً وهَوَانِ
وما كُنتُ أَخشَى أَن أَكون جِنَازَةً ... عَلَيْكِ ومَنْ يَغْتَرُّ بالحَدَثانِ
لعَمْرِي لقَد نَبَّهْتِ مَن كانَ نائماً ... وأَسْمَعتِ منْ كانَتْ لهُ أذُنانِ
أَهُمُّ بهَمِّ الحزْمِ لَو أَستَطيعُه ... وقد حِيلَ بينَ العَيْر والنَزَوانِ
فلما طال عليه البَلاءُ قالَ: الموتُ أَهْوَنُ ممّا أَنا فيه، وأَمَر بقَطْعِها، فأَحْمَوْا له شَفْرةً فقطَعوها، فيئسَ من نفَسِه، وسَمِعَ أُختَه الخَنْسَاءَ تَسْأَلُ عنه: كيف كان صبرُهُ؟ فقال:
فإنْ تَسْأَلِي بي هل صَبْرتُ فإِنّني ... صَبورٌ على رَيْبِ الزمانِ أَرِيبُ
كأَنّي وقد أَدْنَوْا إِلَيَّ شِفَارَهُمْ ... من الصَّبْرِ دامِي الصَّفْحَتَيْنِ نَكِيبُ
ومات فدُفِنَ قريباً من عَسِيبٍ، وهو جَبَلٌ بأَرْضِ بني سُلَيْمٍ إِلى جَنْبِ المدينَة، ورَثَتْهُ الخَنْسَاءُ بمَرَاثٍ كثيرَةٍ، قد أَثْبَتْنَا بعضَهَا في باب المرَاثي.
؟ يَومُ الكَدِيدِ
وهو يَوْمٌ لبَنِي سُلَيم على بني كِنَانَةَ، وفيه مَقتَل ربيعة بن مُكَدَّم.
قال أَبو عمْرو بن العَلاءِ: وَقَعَ تَدَارُؤٌ بين نَفَرٍ من بني سُلَيم، ونَفَرٍ من بَنِي فِرَاس بن مالك بن كِنَانَة، فقَتَلَتْ بنو فِرَاسٍ رَجُلَيْن من بني سُلَيْم، ثمّ إِنّهُم وَدَوْهُمَا، وضَرَب الدَّهْرُ من ضَرْبه، فخَرَجَ نُبَيْشَةُ بنُ حَبِيبٍ السُّلَميُّ غازياً، فلَقِي ظُعُناً من بني كِنَانَة بالكَدِيد، في رَكْبٍ من قَوْمِه، فبَصُرَ بهم نَفرٌ من بني فِرَاسِ بن مالِكٍ، فيهم عبدُ الله بن جِذْلِ الطِّعَان، والحارث بن مُكدَّم، أَبو الفرعَة وأَخوه رَبِيعَةُ بن مُكدَّم مَجْدُورٌ يومئذٍ، يُحمَلُ في مِحَفَّة، فلمّا رأَوهم قال الحارثُ بن مُكدَّم: هؤلاءِ بنو سُلَيم يَطلبون دِماءَهم. فقالَتْ أُمُّ عَمْروٍ بنْتُ مُكدَّمٍ: واسُوءَ صَبَاحَاه: فنزَلَ رَبِيعَةُ بن مُكدَّم ورَكِبَ فرَسَهُ، وأخَذَ قَناتهُ، وتوجهَ نحو القوم وهو يقول:
لقَدْ عَلِمنَ أَنّني غَيْرُ فَرِقْ
لأَطعُنَنَّ فيهِمُ وأَعْتَنِقْ
وأَصْبَحَنْهُمْ حِينَ تَحْمرُّ الحَدَقْ
عَضْباً حُسَاماً وسِنَاناً يَأْتَلِقْ