فأَبْلِغْ سُلَيماً أَنَّ مَقتلَ مَالِك ... أَذَلَّ سُهُولَ الأَرْضِ والحَزْنَ أَجمَعَا
فلِلّه عَيْنَا منْ رَأَى مِثْلَ مالكٍ ... قَتِيلاً بحَزْنٍ أَو قَتِيلاً بأَجْرَعَا
فلاَ تَشْربَنْ خَمْرَا ولا تَأْتِ حاصِناً ... أًَبا أَنَسٍ حتَّى يَرَوْكَ مُقنَّعَا
فلَوْ مَالِكٌ يَبْغِي التِّرَاتِ لَقد رَأَوْانَواصَِيَ خَيْلٍ تَنفُضُ السُّمَّ مُنْقَعَا
أَنَازِلةٌ غَدْواً فِرَاسٌ بفَخْرِها ... عُكَاظَ ولم نَجْزِئْ لها الصَّاعَ مُتْرَعَا
فأَجابَه عبدُ الله بن جِذْلِ الطِّعانِ:
لعَمْري لقد سَحَّتْ دُموعُك ضِلّةً ... تُبَكِّي على قَتْلَى سُلَيْمٍ وأَشْجَعَا
فهَلاَ شُتَيْراً أَو مَصَادَ بنَ خالدٍ ... بَكيتَ ولم تَتْرُكْ لها الدَّهْرَ مَجْزَعَا
تُبَكِّي على قَتْلَى سُلَيْمٍ سَفَاهَةً ... وتَتْرُكُ مَن أَمْسَى مُقيماً بضَلْفَعَا
كمُرْضِعةٍ أَوْلاَدَ أُخْرَى وضَيَّعَتْ ... بَنِيهَا فلم تَرْقَعْ لذلِك مَرْقَعَا
لقَدْ تَركَتْ أَفناءُ خِنْدِفَ كُلَّها ... لعَيْنَيْك مَبكًى إِنْ بَكيْتَ ومَدْمَعَا
تُحَرِّضُ عَبَّاساً علَيْنَا وعِنْدَهُ ... بَلاَءُ طِعَانٍ صَادقٍ يَوْمَ نصْرَعَا
فإِنَّا بهذا الجِزْع قد تَعْلَمونَه ... وإِنَّ على الجفْرَيْن دهْماً مُمَنَّعَا
يومُ الفَيْفَاءِ
وهو يومٌ لبني سُلَيمٍ على بني كِنانة قال أَبو عُبَيْدَةَ: لما بلَغَ بني سُلَيْم قولُ يزيدَ بن عَمْروٍ، قالتْ بنو الشَّرِيد، وما لرجُل من بني رِعْلٍ يَطلُبُ ثأْرنا، فأَحْرَمُوا النِّساءَ والدُّهْنَ وشُرْب الخَمْرِ أَو يُدْرِكوا ثَأْرهُم من بني كنانة. فَغَزَا عمرو بن خالدٍِ بن صَخْر ابن الشّريد بقومِهِ في أَلفِ فارِسٍ وأَلفِ رامٍ بني فِراسِ بن مالكٍ، فاقتتَلُوا قِتَالاً شديداً، تَنَاصَفُوا فِيه، وعلى بني فِراسٍ عبد الله بن جِذْل الطِّعان، ثم إِن بَني سُلَيمٍ قَتلَتْ منهم نَفراً غير مذكورِين، وسَبَوْا سَبْياً فيهم أُمُّ عَمْروٍ بنْتُ مُكَدَّمٍ، فقال عبَّاسُ بن مِرْداسٍ يردُّ عَلى عبد الله بن جِذْلِ الطِّعانِ قولهُ: تَجَنَّبْتُ هِنْداً رَغبةً عن قِتَالِه:
أَلاَ أَبْلِغَا عنّي ابنَ جِذْلٍ ورَهْطَهُ ... فكَيْفَ طَلَبْنَاكُمْ بكُرْزٍ ومَالِكِ
غَدَاةَ فَجَعْناكمْ بسَعْرٍ وبابْنِهِ ... وبابْنِ المُعَلَّى عاصمٍ والمُعَارِكِ
ثَمانِيةُ منكمْ ثأَرْنَاكُمُ بِهَا ... جَمِيعاً وما كانُوا بَوَاءً بمَالِكِ
قَتَلْنَاكُمُ ما بَينَ مثْنَى وموْحَدٍ ... تَكُبّكُمُ أَرْماحُنا في المَعَارِكِ
نُذِيقُكُمُ والمَوْتُ يبْنِي سُرادِقاً ... عليكُم بنا حَدَّ السُّيُوفِ البَواتِكِ
تَلوحُ بأَيْدينا كما لاحَ بَارِقٌ ... تَلأْلأَ في داجٍ من اللَّيْلِ حَالِكِ
فطَوْراً نُلاقِيكُمْ وطَوْراً نَعُلُّكُمْ ... بخَطّيَّةٍ فيها سِمَامُ النَّيَازِكِ
صَبْحَناكُمُ العُوجَ العَناجِيجَ بالضُّحى ... تَمُرُّ بِنَا مَرَّ الرِّياح السَّوَاهِكِ
إِذا خَرجَتْ من هَبْوة بَعْدَ هبْوَةٍ ... سمَتْ نَحْوَ مُلْتَفٍّ مِن المَوْتِ شَابِكِ
مُوَكَّلَة بالسَّيْرِ نَحْوَ عَدُوِّنا ... وبالرَّكْضِ منّا المُلحَقِ المُتَدَارِكِ
وقال هند بن خالدِ بن صخرِ بن الشَّرِيد:
قَتَلْتُ بمالِكٍ عَمْراً وحِصْناً ... وجَلَّيْتُ القَتَامَ عن الخُدُودِ
وكُرْزاً قَدْ أَبأْتُ به شُرَيْحاً ... علَى إِثْرِ الفَوَارِسِ بالكَدِيدِ
جزَيْنَاهُمْ بما انتَهَكُوا وزِدْنَا ... علَيْهمْ مثلْ ذَاكَ مِن المَزِيدِ
جَلَبْنَا من جُنُوبِ الفَرْدِ جُرْداً ... كطَيْرِ الماءِ غَلَّسَ المْوُرُودِ