يَخُوضُ لَظَاهَا عُصْبَةٌ جُشَمِيَّةٌ ... لها تَحْت نَقْعِ الخِنْدِفِيِّينَ غَمْغمَهْ
وكُنَّا أُنَاساً لا نَرَى القَتْلَ سُبَّةًومنْ تَغْلِبَ الغَلْبَاءِ في النَّاس جُمْجُمَهْ
ثمّ إِنَّ عَلْقَمَةَ بنَ سَيْفٍ أَعتَق النَساءَ وحَملَهنّ إِلى قوْمِهنّ قبْل أَن يَصِل إِلى بِلاده، فقالت امرأَةٌ من بني مُجَاشِعٍ:
جَزَى الرَّحمنُ عَلْقمَةَ بنَ سَيْفٍ ... على النَّعْمَاءِ خَيْرَ جَزَا مُثَابِ
عَنَ آلِ مُجَاشِعٍ وبَنِي فُقيْمٍ ... وأَحْيَاءِ البَرَاجِمِ والرَّبَابِ
وحَيَّيْ نَهْشَلٍ وسَرَاةِ سَعْدٍ ... بسَفْحِ مُتَالِعٍ ولِوَى إِرَابِ
جَزَزْتَ نَوَاصِياً مِنَّا فرَاحَتْ ... نِسَاءُ الحَيِّ طاهِرَةَ الثِّيَابِ
وأَطْلقْتَ العُنَاةَ وكان يَوْماً ... يَغَصُّ الشَّيْخُ منه بالشَّرَابِ
فأَنْت المَرْءُ تُشْكَرُ نِعْمَتَاهُ ... عَليْنَا ما بَدَا وَضَحُ السَّرَابِ
يَومُ الشَّربَّة
وهو يَوْمٌ لبني تَغلِبَ على بني فَزارَة كان الأَخنسُ بنُ شِهابِ بن شَرِيقِ بن ثُمَامَة بن أَرْقمَ بن عَدِيّ بن مالكِ بن رِزَاحِ بن مُعاوِيَةَ بن عَمْرِو يُغْير على كَلْبٍ وغيرهم، فقال يوماً حَمَلُ بنُ بَدْرٍ الفزَارِيُّ، وعندَه أُناسٌ من النَّمِر: أَبْلِغُوا عَنّي الأَخنسَ بنَ شِهَابٍ أَنّ فزَارَة ليستْ كمَن يُغِيرُ عليه من كَلْبٍ وغيرِهَا، وقد عَجِبْتُ له إِذْ هو مِنْ بني مُعَاوِيةَ بن عَمْرٍو كيفَ بَلغَ ما بَلغَ، فقبَح اللهُ بني تَغلِبَ، كيف يُعطُون مِثْلَهُ مَقَادَهم.
وتكَّلَم فيه بكلِّ قبِيحٍ. فلمّا رجَع النَّمَرِيّون من عندِ حَمَل بَلَّغوا الأَخنسَ مَقالةَ حَمَلِ بن بَدْرٍ. فقال أَمَا كان ثَمَّ مَنْ نَهاهُ؟ فقالوا: بلى، قد نَهَاهُ أَخوهُ يَزِيدُ بن بَدْرٍ فلم يَنْتهِ. فعَزمَ الأَخنسُ على غَزْوِ بني فَزَارَة، فجمع خَيْلاً من أَخلاطِ بني تَغلِبَ، فغزَاهم، فقاتلوهُ بالشَّرِيّةِ قتالاً شديداً، وانفَرَدَ يَزِيدُ بن بَدْرٍ، وكان فارسَ الجميع يومئذٍ، فحمَلَ عليه الأَخْنَسُ، فطعنَه فصرعَهُ وأَسرَهُ، واستَحَرّ القتلُ في بني فَزَارَةَ وولَّى حَمَلُ بنُ بَدْرٍ، فَنَادَاه الأَخْنَسُ: إِلى أَيْن يا حَملُ؟ وقال:
عُودِي فَزَارَ ولا تَجْزَعِي ... فإِنّا أُنَاسٌ لنَا مَرْجِعُ
وأَصابَ الأَخْنَسُ الأَسَارَى والنِّسَاءَ، وبَذَلَتْ بنو فَزَارَةَ في يَزِيدَ من الدِّيَةِ أَلْفَ بَعِيرٍ، وبَعَثُوا بذلك وُفُوداً. فقالَ الأَخنسُ: ما الّذِي بذَلْتم في صاحِبك بأَغْنَى من ذُبَابِ خَيْلِكم، فواللهِ لا يَكُون أَمْرِي فيكم أَمَماً. فبَكَى الوَفْدُ وقالوا: كَبَا بِك جَدُّ قَوْمِك يا يَزيدُ! ولم يَشُكّ في قَتْله بنو تَغلِب وبنو فَزارَة، ثُمَّ دعَا به الأَخْنَسُ فأَطْلقَه مَنّاً عليه، وحمَلَه، وكان قَبْلَ ذلِك مُكْرِماً له، فقالَ الأَخْنَسُ في ذلِك:
أَلَمْ تَرَنٍ مَنَنْتُ على يَزِيدٍ ... ولمْ أُشْمِتْ به حَمَلَ بْنَ بَدْرِ
رَفَعْتُ بهِ ذِمَامًَ أَبي شِهَابٍ ... ولمْ يَكُ أَسْرُهُ عِنْدِي بأَسْرِ
ولَوْ أَنِّي أَشاءُ لَبَاتَ نُصْباً ... يُقَلِّبُ أَمْرَهُ بَطْناً لِظَهْرِ
ولَوْ أَنّي أَشاءُ لَسَاقَ أَلْفاً ... كهَضْبِ الطَّوْدِ مِن سُودٍ وحُمْرِ
ولكِنّي حَفِظْتُ بَنِي أَبِيه ... بنعمة فكه لبقاء دهر
وكان يزيد خير بني أبيه ... سِوَى حَمَلٍ وفيه كُلُّ نَذْرِ
فَرَاكَضَنى وطَاعَنَني يَزِيدٌ ... فرَدَّ الخَيْلَ كاللَّيْثِ الهِزَبْرِ
ولو غَيْرِي يُنَازِلُه يَزِيَدٌ ... لأَقْعَصَهُ بنَابٍ أَوْ بظُفْرِ
وقال يزيدُ بن بَدْرٍ يشَكُر الأَخْنَسَ بن شِهَابٍ:
جَزَى اللهُ عَنّي والجَزَاءُ بكَفِّه ... أَبا الغَمْر أَعْنِ الأَخْنَسَ بنَ شِهَاب
تَدَارَكَنى مِنْ بَعْدِ بُؤْسِ بنعْمَةٍ ... وكُنْتُ أَسِيراً في جَنَاحِ عُقَاب