فَغَادَرْتُه يَكْبُو على حُرِّ وَجْهِهِ ... تُثِير عَلَيه نَقْعَها بالسَّنَابِكِ
يُنَادِي بأَعْلَى الصَّوْت يا آلَ عَامرٍوقَدْ أَدْبَرَتْ فِعْلَ الإِمَاءِ الفَوَارِكِ
بابٌ
في الخيل وصِفاتها وأَنسابها وشِيَاتِها
أنسَابُهَا
كانَ سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُودَ عليهمَا السّلامُ مُعْجَباً بالخَيْل وكانَ له أَلْفُ فَرَسٍ وَرِثَهَا عن أَبيهِ، فعُرِضَ يَوْماً عليه منها تِسْعُمِائَة فَرسٍ، ليس فيها إِلاَّ سابِقٌ رائعٌ، فشَغَلَتْهُ عن الصَّلاة، وقد فاتَتْهُ، فدعا رَبَّه، فرَدَّ عليه وَقْتَهُ، فصَلَّى ثمّ فكَّرَ فقال: بئْس المالُ مالٌ شَغَلَنٍ عن ذِكْر رَبِّي، رُدّوهَا علَيَّ فضُرِبتْ سُوقُهَا ورِقَابُهَا بالسُّيُوف، كما قال الله عزّ وجلّ سُوقُهَا ورِقَابُها بالسُّيُوف، كما قال الله عزّ وجلّ: " فطَفقَ مَسْحاً بالسُّوقِ والأَعْنَاقِ " وبَقِي في خَزائنه مائَةُ فَرَسٍ لم تَكُن عُرضَتْ عليْه، فقال: هذِه المائةُ أَحَبُّ إِليَّ من تلْكَ التِّسْعمائَةِ التي فَتَنَتْني عن ذِكْر رَبِّي، ولي في هذِهِ المِائَةِ ما أَقْضِي به لَذّتي ومآربي، فأَمْسَكَها، ثم إِنّ وَفْداً من أَهْلِ مصرَ قَدموا عليه فلمّا قَضَوا حاجاتِهم وَدَّعوه وقالوا: يا نَبيَّ الله، بلادُنا شاسِعَةٌ، ونحن سَفْرٌ مُمْلِقون، فزَوِّدْنا زَاداً يُبَلَّغنا. فدَعَا بفَرسٍ من تِلْك المِائَة، فأَعْطَاهم إِيّاه، وقال: هذا زادُكم، إِذا نَزَلْتم مَنزِلاً أَو حَلَلْتم بَلَداً فاحْمِلوا عليه بَعضَكُم، فإِنّه مُصِيبٌ لكُمْ من الوَحْش ما يكُفِيكُم ويُبَلِّغكم.
فجَعَلوا لا يَنزلون أَرْضاً إلاّ حَملَوا بعْضَهم عليه، فلا يُخْطِئُهم حِمارُ وَحْشٍ، ولا هِقلُ نَعامٍ أَو ظَبيٌ، كأَنَّه في أَيدِيهم، فقالوا: واللهِ ما لِفَرسنا هذا اسْمٌ إِلاّ زَادُ الرَّكْب، ما لَنَا زَادٌ غَيْرُهُ فسَمَّوه زَادَ الرَّكْبِ، ومنه أَصْلُ هذِه الخَيْل فلمّا قَدِمُوا بَلَدهم سَمِعتِ العَربُ، فأَتَوْهم بخَيْلهم، فسأَلوهم عَسْبَةُ، لنَجَابَتِهِ، ويُقال إِنْ هؤلاءِ القومَ الذين أَتَوا سليمان عليه السلام من الأَزْدِ، فذَكَروا أن أَولَ فَرَسٍ انْتَشَر في العَرب بَعْدً من نِتَاجِ هذا الفَرَسِ لبنِي تَغْلبَ، يُقال له الدِّينَاريّ بن الهُجَيْسي، وكانَ أَجْودَ فَرسٍ كان للعرب، وكان أَعْوَجُ من نِتَاجِه، وكان لبني عامِرٍ، فأَغارت علَيهم بَهْرَاءُ، فأَصابوهم خُلُوفاً، قد غَزَوْا أَوفِى رعْيٍ، فأَصَابوا الفَرَسَ وهو مهْزولٌ أَعجَفُ ضَئِيلُ الجِسْم، إِذا مَشَى تَلَوَّى هُزَالاً فقال بهْرَاءُ: بئْس الفَرَسُ هذا، فخَرجَ أَجْوَدَ ما سُخِّرَ، وكان من نِتَاجِه بَعْدُ لبني تَغْلبَ النُبَاك والحلاّبُ، قال الأَخطل:
نَكُرُّ بناتِ حَلاّبٍ عَلَيْهمْ ... ونَزْجُرُهنّ بَيْنَ هَلاَ وهَابِ
وكان من نِتَاجه لبني يَرْبوعٍ ذو العُقَّال، وكان لبني أَسدٍ العَسْجَدِيّ ولاَحِقٌ وراعِقٌ والوَجِيهُ من نِتَاجه، قال النابِغَة:
فيهم بناتُ العَسْجَدِيّ ولاَحِقٍ ... وُرْقاً مَراكِلُها من المِضْمارِ
وكان لبني ثَعلَبَة بن سَعْد بن ذُبْيانَ التَّدْمُرِيُّ، فانتشرَ في العرب نَسْلُ زاد الرَّكْبِ.
هذِه رِوايةُ أَبيس عُبيْدة وقال الأَصمعيّ: الوَجِيهُ ولاحِق والغُرَاب ومُذْهَبٌ ومَكتومٌ وسَبَلُ وهي أُمُّ اَعْوَجَ، كانت لغَنِيٍّ، قال: وأَعَوْجُ لبني آكِلِ المُرَارِ، ثمّ صار لبني هِلاَل بنِ عَمْروٍ، قال طُفَيل الغَنَوِيُّ:
دِقَاقاً كأَمْثَالِ السَّرَاحِينِ ضُمَّراً ... ذَخَائرَ مَا أَبْقَى الغُرَابُ وَمُذْهَبُ
أَبُوها ومَكْتُومٌ وأَعْوَجُ سُلِّلَتْ ... وِراداً وحُوّاً ليسَ فيهِنّ مُغْرَبُ
وجِرْوَةُ الأصفَرُ لشدّاد بن عمروٍ أَبي عَنْترة، ومَيّاسٌ وهدّاجٌ لبَاهِلَة لبَنِي أَعْيَا، قالت ابنَةُ الدَّيَّانِ الحَارثيّةُ:
شَقِيقٌ وحَرِّيٌّ هَرَاقَا دِمَاءَنَا ... وفارِسُ هَدّاجٍ أَصابَ النَّوَاصِيَا
وقال آخر:
مَنَى لكَ أَنْ تَلْقى ابْنَ هِنْد مَنِيَّةٌ ... وفَارِسَ ميّاسٍ إِذَا مَا تَلَبَّبَا