للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:

[في الفخ]

والفخّ تعرفه العرب قديماً، ولامرىء القيس وقد وصف ناقةً قال:

إِذا حَرَّكوها قلتَ أَسْرَعُ وَثْبَةً ... من الفَخِّ إِمَّا حُرِّكَتْ حَبَّةُ الفَخِّ

ولطرفة بن العبد أبياتٌ مشهورةٌ فيه.

وللحسن بن هانىء:

قد كادَ ذاك الفَخُّ أَن يَعْقِرَا ... واحْرَوْرَفَ العُصْفُورُ أن يَنْقُرَا

غَيَّبْتُ بالتُّربٍ عليه له ... بالمُسْتَوِى خَشْيةَ أَن يَنْفِرَا

لمّا رأَى التُّرْبَ رَأَى جِثْوَةً ... مائلَةَ الشِّخصِ فما اسْتَنْكَرَا

حتّى إِذا أَشْرَفَهَا مُوِقنا ... وعَايَنَ الحَبَّ له مُظْهَرَا

خَاطَبه من قَلْبه زَاجر ... قلت كُنْتُ لا أَرْهَبُ أَن يَزْجُرَا

فاحْتَرَبَتْ لا ونَعَم ساعةً ... ثمّ انْجلَى جُنْدُ نَعَم مُدْبِرَا

فأَعْمَلَ الفِكْرَ قليلاً فلا ... يَقْتُلُهُ الرَّحْمنُ ما فَكّرَا

فضَمّ كَشحَيْهِ إِلى جُؤْجُؤٍ ... كانَ إِذا اسْتَنْجَدَه شَمَّرَا

فلم يَرُعْنى غيْرُ تَدْويِمِهِ ... آمِنَ ما كُنْتُ له مُضْمِرَا

وله أيضاً:

رُبَّ بُنَىٍّ للرَّدَى مَنصوبِ

حَانِى الظِّهَارِ مُحكمِ التَّعْصيبِ

كمَا تُشدُّ القَوْسُ للتَّعْقِيبِ

مُوَتَّر بوَتِدٍ قَطُوبِ

آخُذُهُ بوَسَطِ الأُنبوبِ

ضَمَّ العُرُوقِ عَصَبَ الظُنْبوبِ

مُنْخَنس عن ناظرِ المنكوبِ

أُودِعَ حَيًّا في يَدَىْ شَعُوبِ

يَنْتَزِعُ الحَبَّ من القُلُوبِ

لمّا أَتَى العُصفورُ من قَريبِ

لاحَظَهُ لَحْظَةَ مُسْتَريبِ

مُرَجّماً في الظَّنِّ بالغُيُوبِ

ثُمَّ دَعَاهُ الحَيْنُ للتّكْذيبِ

بما ارْتَأَى فيه من الخُطُوبِ

فرَامَ لَقْطَ الحَبِّ بالتَّقليبِ

حتّى إِذا أَمكَنَ للْوُثُوبِ

هَوتْ أَكفُّ ابْنِ الرَّدَى المنصوبِ

منه إِلى جُؤْجُؤه النَّكيبِ

وللجدليّ فيه:

رُبَّ عارى الظَّهْر مُنْعَفِرٍ ... لاحِقِ الجَنْبَيْن من ضُمُرِهْ

كانَ في الأَصْلاب مُنْحنِياً ... قَبْلَ مدِّ الدَّهْر من عُمُرِهْ

ثُمَّ قد زادَ الحُنُوَّ له ... شَدُّ حَقْوَيْه إِلى قُترِهْ

أُحْكِمَتْ منه مَرَائرُه ... حينَ كَفَّ الرَّبْطُ من مدَرِهْ

كامنٍ في التُّرْب مُنْدَفنٍ ... وضَئيلِ الجسْمِ مُحْتَقَرِهْ

وأَكُفُّ الحَيْنِ مُشْرَعَةٌ ... لمُلاَقيهِ فمُخْتَبِرِهْ

فيه أَقْوَاتٌ مُطمِّعَةٌ ... نَفْسَ رائِيهِ ومُعْتَبِرِهْ

فإِذا المَغْرورُ حَاوَلَها ... نَبَذَتْ للْحَيْن في ذكرِهْ

فنَحَاهو مُعْمِلٌ حَذراً ... لو أَصابَ النَّفْعَ في حَذَرِهْ

كيف تُنجيه مَعَاصمُهُ ... ويَدُ الأَقْدَارِ في أَثَرِهْ

قد ذكرنا في فنون الطَّرد لجماعةٍ من الشُّعراء قطعةً وافرةً، فيها مقنعٌ إن شاء الله، ونلحق بها هذا الخبر: خرج المهديُّ وعليُّ بن سليمان إلى الصَّيد، ومعهما أبو دلامة، فسنحت لهما ظباءٌ، فرمى المهديُّ ظبياً فأصابه، ورمى عليُّ بن سليمان فأصاب كلباً، فضحك المهديُّ وقال لأبي دلامة، قل في هذا، فقال:

قد رَمى المَهْدِيُّ ظَبْياً ... شَكَّ بالسَّهْمِ فُؤَادَهْ

وعليُّ بنُ سُليمَا ... نَ رَمى كَلْباً فصَادَهْ

فهَنيئاً لهما كلُّ ... امْرِئٍ يَأْكلُ زَادَهْ

نقله العبد الفقير إلى رحمة ربَّه حسن بن يوسف ابن عبد الله بن مختار الأربليّ، عفا الله عنه وعن والديه، من نسخة ضعيفة النقل والخطِّ، كثيرة الخطأ والغلط، وصحَّحه جهد طاقته، وأهمل ما جهل بصحّته، ومنه ما نقله على صورته، ووقع الفراغ منه في شر المحرّم من سنة تسعٍ وثلاثين وستِّمائة، والحمد لله وحده، وصلاته على سيِّدنا محمَّد النَّبيّ الأمِّيّ وآله الطّاهرين.

<<  <