قَتَلْنَا مالكاً وأَخاه عَمْراً ... وحَيَّ بني أُسَامَة واشْتَفَيْنَا
وأَنا لَن يُقَوِّمَنا ثِقَافٌ ... ولا ضَرْبٌ إِذا نحْنُ الْتقَيْنَا
قَتَلْنَاكُمْ بقَتْلاَنا وزِدْنَا ... ورأْس أَبِي مُحَيّاةَ اخْتَلَيْنَا
فقالت بنو تَغلِب للسّفاح أَجِبْ عَمْراً فقال: لا، أَو تَفْعلوا كما فعَلَ القومُ.
يَومُ بَطْنِ حُنَين
وهو يومٌ لبني تغلِب على بني ثَعْلَبة ثم إِنّ السّفاحَ بن خالدٍ رَحَل ببني مالكٍ بن بَكْرٍ خاصّةً، فأَتْبعتْهم بنو جُشَم، مَخافةَ الانفرادِ، فصارَتْ منازِلُهم ممّا يلِي الجزِيرة ونَواحِي الخابور، وهي اليومَ مَنَازلُ جُشَم، فظنَّتْ بكرُ بن وائل أَنّ بني تغلب رحلت هاربةً منهُم، فأَمِنُوا وقالَوا: لا تَرْجع تَغلِبُ إِلى عِزِّهَا أو يَرجِعَ إلِيها كُلَيبٌ، ولما رجعَ الزَّبّانُ وقد أَدرَكَ ثأَ ْرَه أَطْلق وَقْشاً الغُفَلِيّ، وكَساهُ وسَرَّحَه، وانْضافَ إليه جَماعةٌ من الغُفَلِيّين، فساروا يُرِيدون أَهالِيَهم، وتَهَيَّأ مَسِيرُ السَّفَّاح يُريد بكر بن وائل، فهَجَم ليلاً على الزَوْرَاءِ، وهي عَيْنٌ بوَادِي السَّماوَةِ، فوَجَد وَقْشاً والرًَّكْبَ، فَأَخَذَهم وقال: هذا أَوّلُ الظَّفَرِ، هؤلاء أَحبُّ إِلَيّ من ظَفَرِي ببني ثَعْلَبَة بن عُكَابَةَ، فقتلَهُم، وسارَ حتَّى إِذا كان من بكرٍ على منزلٍ قال: مَن يَعْرِف لَنا خَبَر القَوْمِ؟ ولا يَخْرُجُ إِلاَّ مُجِيدٌ نَجُدٌ. فقال عَنْزُ بن الخُنَابِس بن سَعد بن كِنانَةَ بن تَيْم: أَنا قالَ عنْزٌ: فانطَلَقْتُ، فلمّا فَقَدْتُ أَصْواتَ الخَيْلِ والنّاسِ والإِبلِ نِمْتُ على فَرَسي، فما استَيْقَظْتُ إلاّ والفَرَسُ قائمٌ يَشرَبُ من بَعض مَقَارِي القَوم، فاستَيقَظتُ، وجَعلْتُ أَرُدُّ فَرَسي إِلى وَرائِه، فسمِعتُ جارِيَةً من الحيّ تقول لأَبِيهَا: يا أَبتِ، تَمْشِي الخَيْلُ على أَعقابِهَا؟ فقال لها: سَيْرَ فتاةٍ قدْ كَلَّتِ اللَّيْل فاستَحْيَت وأَدخَلت رأْسَها في لِحَافها، قال وَحزَرْتُ البُيُوتَ، فإِذَا هي نَيِّفٌ وسِتّون بيتاً.
ورَجَعَ إلى السَّفّاح فأَخبرَه ولَمّا قَرُبَ السَّفَّاحُ ومن معه من فُرْسَان بني تَغْلِبَ من البُيوت، عند طُلوع الفَجر، سَمِعَ غلاماً يَمْتَحُ دَلْواً ليَسْقِيَ نَعَمهُ، وهو يُنادِي برَفيقٍ له: أَوْرِدْهُنّ يا عَوْفُ. فقال السَّفاحُ: لَبَّيْك لبَّيْك، وصَبَّ عليهم الخَيْلَ، فلم يَنْهَضِ القَوْمُ حتى واسَطَهم البُيُوتَ، فقتلَ منهم ثمانيةً وخمسين رجلاً، وأَفلَتَ نَفرٌ في سَوادِ اللَّيْل، وأَخذَ رُؤْوسَهم على الإِبل، وقالت بنو تَغلِبَ للسفّاح: أَجِب الآنَ عَمْرَو بن لأْيٍ، فقال: أَمَّا اليوْمَ فنَعمْ، وقال
جَلبنَا الخيلَ من قَنَوَيْنِ قُبّاً ... فأَوْرَدْنَا نَوَاحِيَهَا حُنَيْنَا
ولَمّا صَاحَ صَائحُهمْ جِهَاراً ... أَلاَ يا عَوْفُ أَوْرِدْها عَلَيْنَا
فلَبَّيْتُ الصَّرِيخَ ولمْ يَرَوْنَا ... ولا حَسُّوا بنا حَتَّى اعْتَلَيْنَا
فنِلْتُ الثَّأْرَ واسْتَضْعَفْتُ منهمْ ... مِنَ القَتْلَى بما أَسْدَوْا إِلَيْنَا
ومِنْ حَيَّيْ غُفَيْلَةَ قَدْ شَفَيْنَا ... نُفُوسَ بَني أَبِينَا واشْتَفَيْنا
أَلاَ يَا آلَ ثَعْلَبَة بنِ ذُهْلٍ ... أَجُرْنَا في العِقاب أَم اهْتَدَيْنَا
وقال عَمْرُو بن لأْيِ بن الحارث بن مَوْأَلَةَ بنِ عامرِ بن مالكِ بن تَيمِ الله بن ثَعْلَبَةَ بن عُكَابةَ بن صَعْبِ بن عليّ بن بكر بن وائلٍ:
لعَمرِي لئِنْ سَفّاحُ تَغلِبَ نَالَنَا ... ببَطْنِ حُنَيْنٍ دُونَ تِلْكَ القَبَائلِ
وصَبَّحَ ذُهْلاً دُونَ بَكْرِ بنِ وَائلٍ ... من المَوْتِ كَأْساً بالرِّماحِ العَوَاسِلِ
لقَدْ رُعْتُه يَوماً بأَقْطَانِ سَاجِرٍ ... علَى كُلِّ وَرْهَاءٍ من الخَيْلِ خَابِلِ
عَلَيْهَا حُمَاةُ الخَيْلِ كُلُّ مرَزَّإِ ... طَوِيل نِجَادِ السَّيْفِ مِن آلِ وَائِلِ