فاسْتَدْبَرتْ إِحدَى يَدَيْهِ القَهْقَرَى ... وثَنَتْ به الأُخْرَى ثنِىَّ تَهَيُّب
فنَجَا وهَلْ يَنجو مَنَ اخطَأَهُ الرَّدَىفي البَدْءِ مِن عَوْدِ الرَّدَى المُتَأَوِّبِ
لم يَعْدُ بعْدَ نَجَائِهِ مِنْ ساعَةٍ ... أَنْ قامَ قَوْمةَ نافِضٍ مُتَرقِّبِ
فظَللْتُ منه بمُرتأًى من شَحْصه ... في كلِّ حالٍ أَمَّهَا أَو مَذْهَبِ
مُتَضَابِئاً طَوْراً لَدى اسْتِشْرَافه ... فمَتى يُوَهِّدْ في مَجَالٍ أَرْتَبِ
حتّى اطْمأَنّ وقامَ منَى شَخصُهُ ... بمَكَانِ دانٍ للرِّمايَة مُكْثِبِ
فنَحَوْتُه سَهْمِى فأَنْشَبَ صُلْبَه ... شَكّاً وأَيّ رَمِيَّةٍ لمْ أُنْشِبِ
ثمّ انثنَيتُ إِلى بُنَيِّى مالِئاً ... كَفَّىَّ مُغْتَبِطاً بعَيْشٍ مُخْصِبِ
أَبُنَىّ أَيَّةُ خَلّةٍ محمودةِ ... صَعُبَت على الطُلاَّب أَمْ لمْ تَصْعُبِ
[في الكلب]
من صفات الكلب أن يكون صغير الرأس، طويل العنق غليظها، وأن يشبه خلق بعضه بعضاً، وأن يكون أغضف مفرط الغضف وأن يكون بعيد ما بينهما، ويكون واسع العينين بعيد ما بينهما، ويكون أزرق العينين، عظيم المقلتين، ناتىء الحدقة، طويل الخطم لطيفه، واسع الشِّدقين، ناتىء الجبهة عريضها، وأن يكون الشَّعر الذي تحت حنكه طاقة طاقةً، ويكون غليظاً، وكذلك شعر خدَّيه، ويكون قصير اليدين، طويل الرِّجلين، لأنّه إذا كان كذلك كان أسرع في الصُّعود بمنزلة الأرنب.
قالوا: ولا يكاد يلحق الأرنب في الصُّعود إلاّ كلُّ كلبٍ قصير اليدين، طويل الرِّجلين، وينبغي أن يكون طويل الصَّدر غليظه، وأن يكون ما يلي الأرض من صدره عريضاً، وأن يكون عريض العضدين، مستقيم اليدين، مضموم الأصابع بعضها إلى بعض إذا مشى أو عدا، وهو أجدر أن لا يصير بينهما من الطِّين وغير ذلك ما يفسدها، ويكون ذكيَّ الفؤاد نشيطاً، ويكون عريض الظَّهر عريض مابين مفاصل عظامه، عريض ما بين أصل الفخذين اللَّذين يضمّان أصل الذَّنب، وطويل الفخذين غليظهما، شديد لحمهما، رزين المحمل، دقيق الوسط، طويل الجلدة التي بين أصل الفخذين والصَّدر، مستقيم الرِّجلين، ولا يكون في ركبتيه انحناءٌ، ويكون قصير الساقين دقيقهما، كأنّهما خشبتان من صلابتهما، وليس يكره أن تكون الإناث طوال الأذناب، ويكره ذلك للذُّكور، ولين شعره ممّا يدلُّ على القوَّة، وينبغي أن يكون الكلب شديد المنازعة للمقود وللسِّلسلة، وأن يكون العظمان اللَّذان يليان اللَّحيين صغيرين في قدر ثلاث أصابع، ويقال إنّ السُّود منها أقلُّها صبراً على الحرّ والبرد، وإنّ البيض أفرها إذا كنّ سود العيون، قالوا: ومن علامة الفره التي ليس بعدها شيءٌ أن يكون على ساقيه أو أحدهما أو على رأس الذَّنب مخلبٌ وينبغي أن يقطع من الساقين، لأنّه يمنعه من العدو، وخير الأشياء التي تطعم الكلاب الخبز الّذي ييبس، ويكون الماء الذي يسقاه يصبَّ عليه شيءٌ من زيتٍ، فإنّ ذلك كالقتّ المخض للخيل، ويشتدُّ عليه عدوه، قالوا: وخير الطَّعام في إسمان الكلاب رأس مطبوخٌ أو أكارع بشعرها، من غير أن تطعم من عظامها شيئاً، والسَّمن إذا أطعم منه قدر ثلاث سكرجات مرتين أو ثلاثاً فإنّ ذلك ممّا يسمِّنه. ويقال إنّه يعيد الهرم شاباً حتى يكون ذلك في الصِّيد وفي المنظر، والثَّريد من أردإ ما تأكله للعدو.
وقال أبو نواس:
لمّا تَبَدَّى الصّبحُ من حِجَابِهِ
كطَلْعةِ الأَشمطِ من جِلْبَابِهِ
هِجْنا بكَلْبٍ طالَ ما هِجْنَا به
يَنْتَسِفُ المِقْوَدَ من جِذَابِهِ
من مَرَحٍ يَغْلُو إِذا اغْلَوْلَى به
ومَيْعَةٍ تَغلِبُ مِن شَبَابِه
كأَنّ مَتْنَيْهِ لَدَى انْصِبَابِه
مَتْنَا شُجَاعٍ لجَّ في أنْسِيابِهِ
كأَنّما الأُطْفورُ في قِنَابِه
مُوسَى صَنَاعٍ رُدَّ في نِصَابِه
تَرَاهُ في الحُضْر إِذَا هَاهَا بِه
يَكادُ أَن يَخرُجَ من إِهَابِه
تَرَى سَوَامَ الوَحْشِ يُحْتَوَى بهِ
يُعْتَلْنَ أَسْرَى ظُفْرِهِ ونَابِهِ
وله أيضاً:
أَنْعَتُ كَلْباً أَهلُه في كَدِّهِ