فمتَى أَراكَ وفَوْقَ سَرْجِكَ أَجْدَلٌ ... يَسْعَى به نَحْوَ الكَرِيهةِ أَجْدَلُ
وعليْك من نَسْجِ الحَديدِ مُفَاضَةٌ ... كالنِّهْيِ يَنْفَحُهُ الصَّبَا والشَّمْأَلُ
مُتَوَشِّحاً لَدْنَ المَهَزِّ كأَنّما ... في جفْنِهِ منه شِهَابٌ يُشْعَلُ
ويَداكَ تعْتَوِرَانِ مَتْنَ مُثَقَّفٍ ... لَهْفانَ مِن عَلَقٍ يُعَلُّ ويُنْهَلُ
وللمتنبي في صِفةِ التَّجَافِيف بعد ذِكْرِه الجَيْشَ، وقد ذكرناه في مَوْضِعه:
حوَاليْهِ بحْرٌ للتَّجافِيفِ مَائِحٌ ... يَسِيرُ به طَوْدٌ من الخَيْل أَيْهَمُ
على كُلّ طاوٍ تحْتَ طاوٍ كأَنَّه ... من الدَّمِ يُسْقى أَوْ من اللَّحْم يُطْعَمُ
لها في الوَغَى زِيُّ الفَوَارِس فَوْقَها ... فكُلُّ حِصَانٍ دارِعٌ مُتَلَثِّمُ
بابٌ
في اختيار قطعةٍ من أَيّام العَرَب
وما في وَقائِعهَا من العَجَب
أَيّامُ العرب كثيرة، ولها وقَائعُ مشهورةٌ طويلةٌ، تَركناها لِطُولها وشهرتها، واقتنَعْنا بذكر ثلاثين يوماً من أَيّامها.
فأَمّا المشهورةُ الطَّوِيلةُ منها فَوقائعُ بَكْرٍ وتَغْلب ابْنَى وائلٍ في حرْب البَسُوس، وتُسمِّيها العربُ البَتْراءَ، لأَنّها أَقلعَتْ عن غير تَكافُؤٍ في الدِّماءِ، ولا عَقْلٍ، ودامتْ أَربعين سنةً، في قول جميع الرُّواة.
ووَقائعُ عَبْسٍ وذُبْيَان في حَرْب دَاحِسٍ والغَبْراءِ، وتُسمِّيها العربُ الكرِيمة، لأَنّها أَقْلعتْ عنْ عَقْلٍ وتَكافُؤٍ في الدِّماءِ، ودامَت الحربُ بينَهم أَربعين سنةً، في قول المُكثِرين من الرُّواة، وبِضْعةً وعشرِين سنة، في ... ول المقلِّلين منهُم.
ووَقائعُ الأَوس والخزْرَج، ودامتْ سِتّين سنةً، ولم تكن كحروب هؤلاءِ في الشِّدّة ولَفِّ الخَيْلِ بالخيْل، وإِنما كانت تَخرُجُ الجَماعةُ إِلى الجماعةِ، فيَتَرَامُون بالحِجارة، ويتضَاربُون بالعِصِيّ، لِقُرب دارِ بعضِهم من بعضِ، وربما تَزاحفُوا بالسِّلاح.
ولحروب هؤلاءِ أحاديثُ يَدْخلُ كلُّ وَاحدٍ منها في أَكْثَرَ من جُزْءٍ من أَجزَائنا، فتركناها لهذِه العِلّة.
يَومُ جَدُودَ
وهو يَوْمٌ لبني سعدٍ على بني شَيبانَ، وفيه مَقتلُ شِهَاب بن قَلَع بن جَحْدرٍ، جدّ المَسَامِعَة، قتَلَه مالكُ بن مَسْروق بن غَيلانَ الرُّبَيْعِيّ