للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خرجَ الحارِثُ بن شَرِيكٍ، وهو الحَوْفَزَانُ، في بني شَيْبان وأَفنَاءِ بكْرِ بن وَائِلٍ مُتَسانِدِين، على كلّ حَيٍّ منهم رئيسٌ؛ على بني قَيس بن ثعْلَبة حُمْرَان بن عَبْدِ عمْرِو بن بِشْرِ بن عمْرِو بن مَرْثَدٍ. وعلى بني تشيبان الحارِثُ شرِيك، وعلى بني عِجْلٍ أَبْجرُ بن جابِرٍ فساورا يُرِيدُون الغارَة على بني يرْبُوعٍ، فنذِرتْ بهم بنو يَرْبُوع، فحالُوا بينهم وبين الماءِ، وكان بيْن الحوْفزَانِ وبين عُتَيبة بنِ الحارِث بن شِهَاب اليرْبُوعِيّ مُوَادَعةٌ، فقال الحَوْفزَانُ: يا بني يَرْبُوعِ، واللهِ ما لَكم سَمَوْتُ فهل لكم في خَيْرٍ؟ نُصالِحُكُم على ما مَعَنا من الثِّيَاب والتَّمْر، وتُخلُّون سبِيلَنَا، ونَعْقِدُ على أَن لا نُروعَ حَنظَلِياً فصالَحوهم، وأَخذُوا منهم الثيابَ والتَّمْرَ وسارتْ بكرُ بن وائلٍ فأَغَارُوا على بني رُبَيعِ بن الحارث بن عَمْرٍو بن كَعْب بن سَعْدٍ، وهم خُلُوفُ فأَصابوا نَعَماً وسَبْياً، فأَتَى الصَّريخُ بني مِنْقَرٍ، فركبوا في طلَب القَوْم، فلحقوهم وهم قائلون، قد أَمِنوا من الطَّلَب، فكان أَوّلَ من لحَقَ بهم الأَهتمُ بن سُمىٍّ، فرفَع الحَوْفَزانُ رأسه، فإذا الأَهتَمُ قريبٌ منه، قال الحوفزانُ: من الرجلُ؟ فقال الأهتمُ: لا بلْ من أنت قال: أَنا الحارث بن شَرِيكٍ، وهذه بنو رُبَيْعٍ قد حَوَيْتُهَا، قال الأَهتمُ: وأَنا الأَهتمُ بن سُمَيٍّ وهذا الجيْشُ. ونادَى الأَهتمُ: يالَ سعد، ونادَى الحَوفزانُ يالَ وائلٍ، ولحقتْ خَيلُ بني سعدٍ، فقاتَلوا القومَ قتالاً شديداً، وقتل من الفريقين، ثم إن بكر بن وائل انهزمتْ، واستنقذَتْ بنو سَعْدٍ أَمْوَالَهم، ولحقَ مالكُ بن مسروقٍ الرُّبيْعِيّ شِهَابَ بن قَلَع بن جَحْدَرٍ وابنَ عمٍّ له معه، فقال مالكٌ لشهاب: من أنت؟ فقال:

أَنا شِهابُ بن جَحْدَرْ ... أَطعنُهم عِنْد الكرّ

تحت العجاج الأَكْدرْ

ومعه العِدْلُ رجلٌّ من قومه فقال مالكُ مجِيباً له:

وأَنا مالك بن غَيلانْ ... معِيْ سِنانٌ حرّانْ

وإِنما جِئتُ الآنْ ... أقسَمْتُ لا تَؤُوبانْ

حتّى يَؤوبَ العِدْلانْ

فحمَلَ على شهابٍ، فقَتله ثَم حملَ على ابن عم له آخر فقتله وأَسرَ الأَهْتَمُ بن سُمَيٍّ حُمْرانَ بن عَمرو، وأَسَر المنذر بن مُشَمِّتٍ المِنْقَرِيُّ أَحدُ بني جَرْوَلٍ عَوْفَ بن النُّعمان الشَّيبانيَّ. وأَسرَ فَدَكيٌّ بنُ أَعْبَد، أَبْجَرَ بنَ جابِرٍ. وأَدْرَكَ قيسُ بن عاصِمٍ الحارثَ بنَ شَرِيكٍ، والحَارثُ على فرسٍ لَه يُدعى الزَّبِدَ وقَيْسٌ على فَرسٍ صغير السِّن فكان فَرسُ الحوفَزَانِ إذا استَوَت بهما الأَرضُ لَحِقَه قَيْسٌ فيقول: اسْتَأْسِرْ حارِ خَيرَ أَسِيرٍ، فيقول الحارِث: ما شاءَ الزّبِدُ، وإِذا عَلَوْا ظَهْراً من الأَرض فاتَهُ الحارِثُ، لسِنّ فرسهِ وقُوَّتِه، فلمّا تَخوَّفَ قَيْسٌ أَن يَفوتَه، زَرَقه برمحه زَرْقَةً هَجَمتْ على جَوْفِه وأَفلَت بها فسُمِّي الحارثُ الحَوفزانَ، فقال في ذلك سَوّارُ بن حَيّانُ المنقَرِيّ:

ونَحْنُ حَفَزْنَا الحَرْفَزَانَ بطَعْنةٍ ... سَقَتْه نَجِيعاً من دَمِ الجَوْفِ أَشْكَلاً

وحُمْرَانُ أَدَّتْه إِلَيْنَا رِمَاحُنَا ... يُعَالِجُ غُلاًّ في ذِرَاعَيْه مُقْفَلاَ

وقالَ صَعْصَعَةُ بن مالِكٍ في ذلك:

وإِنْ تَسْأَلِ الحَيَّ مِنْ مالكٍ ... تُخَبِّرْكَ ذُهْلٌ وشَيْبَانُهَا

بوَادِي جَدُودَ وقد بُوكِرتْ ... بضَيْق السَّنَابكِ أَعْطَانُهَا

بأَرْعَنَ كالطَّوْدِ من وَائلٍ ... يَرُومُ الثُّغورُ ويَعْتانُها

تكادُ له الأَرْضُ من رِزِّهِ ... إِذَا سَارَ تَرْجُفُ أَركانُهَا

قَدَامِيسُ يَقْدُمُها الحوَفَزانُ ... وأَبْجَرُ تَخْفِقُ عِقْبَانُهَا

أَقَمْنَا لهمْ سُوقَ مَلْمُومَةٍ ... يُدِيرُ رَحَا الحَرْبِ فتْيانُهَا

بمَشْهُورَةٍ جُرِّبَتْ قَبْلَهُمْ ... تَوَقَّدُ في الحَرْب شُهْبَانُهَا

فأَلْفَوْا لنَا كلَّ مَجْدُولةٍ ... تُصَانُ لِدَاوُودَ أَبْدَانُهَا

<<  <   >  >>