وقد عَرَضَتْ ذُبْيَانُ أَلفاً كأَنّها ... هِضَابُ أَجَا تَرْعَى بأَرْضِ رِبَابِ
فقالَ لهم رُدُّوا القِلاَصَ فما الَّذِي ... بَذَلْتُم بأَغْنَى مِن جَنَاحِ ذُبَابِ
ولمَّا رَأَتْ ذُبْيانُ ما قالَ أَخْنَسٌ ... تَعَزَّوْا وقالوا جَدُّ قَوْمِكَ كَابِ
فأَطْلَقَني من بَعْدِ ما ظَنَّ قَوْمُه ... وقَوْمِيَ ظَنَّاً لم يَكُنْ بصَوَابِ
ولمْ يَبْلُغ احَمْدَ الطَّوِيلَ بَقاؤُهُ ... ببَكْر قَعُودٍ في القِرَى وبِنَابِ
وقال الأخنسُ أَيضاً:
ونحْنُ أُناسٌ لا حُصُونَ بأَرْضِنا ... نلُوذُ بها إِلاَّ السُّيُوفُ القوَاطِعُ
وجَاْوَاءُ تُعْشِي النَّاظِرِين كأَنَّها ... إذا ما بَدَتْ قَرْنٌ من الشَّمْس طالِعً
وحامِي لِوَاءٍ قد قَتَلْنا وحَامِلٍ ... لِوَاءً مَنعْنَا والرِّمَاحُ شَوارِعُ
وإِنّا لصَيَّادُو الفَوَارِسِ بالقَنَا ... وإِنّا لحَلاَّلُون حَيْثُ نُقَارِعُ
؟ يَومُ فَلْجٍ
وهو يومٌ لبني تَغْلِبَ على بني تميم أَغارَ النُّعمانُ بن زُرْعَةَ بن هَرْمِيّ بن السَّفَّاح بن خالِدِ بن كَعْب بن زُهَيرِ بنِ تَيْم بن أُسامَةَ، في خَيْل من بني تَغلِبَ، على بني تميم بفَلْجٍ، فلَمّا التقَى النّاسُ، وكان على تَميم هُرَيمُ بن مالكٍ، فنَادى: يالَ مُضَرَ: يا آلَ خِنْدَفَ: ونادى النُّعْمَانُ: يا آلَ تَغلِبَ: يا آلَ مالِكِ بنِ بَكْرٍ: فحَشَدَتْ تَغلِبُ، وحَشَدَتْ تَمِيمٌ، واشتَدَّ القِتَالُ، وعَظُمَ الشَّرُّ بين الفريقَيْن، وكَثُرَ القِيلُ، ثم إِنَّ حَسّانَ بنَ زُرْعَة، أَخَا النُّعْمَانِ، حَمَلَ على هُرَيمِ بن مالك الحَنْظَلِيّ، فطَعَنَه فصَرعَهُ، وتَنادَى القَوْمُ على دَمِهِ، فقُتِل من بني تميمٍ يومَئذٍ مالكُ بن قُرَّةَ، وعَوْفُ بن حابِسٍ وابنُ حُرْثَانَ، وعِقَالُ بن أَوْسٍ وعُطَارِدُ بنُ حارِثة، وخَلْقٌ. وأُسِرَ من سَرَواتِهم نَفَرٌ، وأَصابَتْ تَغْلِبُ سَبَايَا وأَمْوالاً عِظَاماً، وقد كانت تَغلِبُ جالَتْ جَوْلَةً، فثبتَتْ بنو تَيْم بن أسامةَ خاصَّةً، حتى أَزالُوهم عن أَفارِيقهِم، وكانت كُمَاةَ النَّاسِ يومئذٍ بنو زُهَير بن تَيْمٍ، وأَوّلُ مَن قُتِلَ في هذِه الوَقْعَةِ غُلامٌ من بني عِمْرانَ بن تَغْلِبَ يُكْنَى أَبا أُثَالٍ، كان حليفاً في بني حَنْظَلَة، فقال في ذلك اليَوْم النُّعْمَانُ بن زُرْعَةَ:
لَعَمْرُ أَبِيكَ والأَنْبَاءُ تَنْمِي ... وقَدْ تُجْلَى العَمَايَةُ بالسُّؤَالِ
لِنعْمَ فَوَارِسُ الهَيْجَاءِ تَيْمٌ ... عَلى فَلْجٍ صَبَاحَ أَبِي أُثَالِ
غَدَاةَ رَأَتْ نَوَاصِيَهَا تَمِيمٌ ... عِجَالَ الشَّدِّ سَاقِطَةَ النِّعَالِ
عَليْهَا كُلُّ أَصيَدَ مَالِكيٍّ ... مِن الشُّمِّ الشَّرَامِحَةِ الطِّوَالِ
فَدَارَت بَيْنَنَا رَحَيَا مُدِيرٍ ... يُسَاقَوْنَ المَنِيَّةَ بالسِّجَالِ
طِعَانٌ تَخْرُجُ النَّسَماتُ منهُ ... وضَرْبٌ يَخْتَلِي هَامَ الرِّجَالِ
فغُودِرَ مَالِكٌ وأَبو يَزِيدٍ ... وقَعْقَاعٌ وأَجْلَوْا عن عِقَالِ
وَأُبْنَا بالنِّهَابِ وبالسَّبَايَا ... وبالأَسْرَى تُقَوَّدُ في الغِلالِ
فقُولاَ لِلأَرَاقِمِ غَيْرَ بَغْيٍ ... وبَغْيُ المَرْءِ أَقْرَبُ للسَّفَالَ
أَلاَ إِنِّي رَأَيْتُ بني زُهَيرِ ... فَوَارِسَ مَالِكٍ يَوْمَ النِّزَالِ
كمَا أَنِّي وَجَدْتُ سَرَاةَ غَنْمٍ ... بَنِي تَيْمٍ إِذَا اخْتَلَفَ العَوَالِي
وقال حسّان بن زُرْعةَ في قَتْلِه هُرَيْمَ بنَ مالِك الحَنْظَلىّ:
سَائِلِي عَنِّي زُهَيْراً تُخْبَرِي ... يَوْمَ فَلْجٍ والمَنَايَا تَخْتَطِفْ
يَوْمَ غَادَرْتُ هُزَيماً ثَاوِياً ... وسِنَانُ الرُّمْحِ فيه مُنْقَصِفْ