وللعباس بن جَرِير في بِرْذَون:
وعِنْدِي لكُ بِرْذَونٌ ... كضَوْءِ النَّجْم في النُّورِ
له سالِفَتَا ظَبْيٍ ... مِن القنَّاص مَذْعُورِ
إِذا صاحِبُه أَوْفَى ... بِمتْنٍ منه مَضْبُورٍ
وجَاشَتْ نَفْسُه خِلْتَ ... بهِ لَسْعَةَ زُنْبُورِ
عليه نُقَطٌ سُودٌ ... كمِسْكٍ فَوْقَ كَافُورِ
وأَهدَى إِسماعيلُ بن صبِيح إلى سَعِيد بن هريمٍ بِرْذَوناً، وكتبَ إليه: هو لَيِّنُ المَرفُوع، وبَطِيءُ المَوْضوع، حَسَنُ المجموع.
وقال الجاحظ: سَايَرَ ابنٌ لشبيب بن شَيْبَة عَليَّ بنَ هِشامٍ فقال: سْرْ فقال: كيف أَسِيرُ وأَنا على بِرذَوْن إِنْ ضَرَبْتُهُ قطَفَ وإِن تَرَكْتُه وَقَف. وأَنت على بِرْذَونٍ إِن ضَرَبْتَه طَارَ، وإن ترَكْتَه سارَ؟ قال: ما أحسنَ ما استَحْمَلْتَ. ونَزَلَ عنه فحَمَلَه عليه.
وقال المأْمون لطاهر بن الحسين وقد سَايَرَه: ما أَقدَمَ برْذَونَ: هذا: قال: من برَكِة الدَّابَّة طُولُ صُحْبتِه، وقِلّةُ عِلَّتِه. قال: فيكف حَمْدُك له؟ قال: هَمُّهُ أَمامُهُ، وسَوْطُه لِجَامُهُ، ما ضُرِب قَطُّ إِلاّ ظُلماً لِسَيْره، ولا اسْتُحِثَّ إلاّ للعَادةٍ في غَيْره. فقال: مِثْلُك أَبا الطَّيِّب، فلْيَصِفِ الشْيءَ إِذا وَصَفَه.
وكان لمحمّد بن عبد الملك بِرْذَون أشْهَبُ أَحَمُّ، لم يُرَ مِثْلُه في الفَرَاهة، والوَطَاءِ والحُسْنِ، فذًَكَر المعتصمُ يوماً الدَّوَابَّ فقال: أَشتهِي دَابّةً في نِهَايَةِ الوَطَاءِ يَصلِحُ للسَّرَايَا. فقال له أَحمدُ بن خالد: عند كَاتِبك، يا أَميرَ المؤمنين، محمَّد بن عبد الملكْ الزّيّاتِ دَابَّةٌ لم يُرَ مِثْلُه فوجَّهَ المعتصمُ فأَخَذَه من محمّد فقال فيه محمد من أَبيات:
كيْفَ القَرَارُ وقَد مَضَى لسبِيله ... عنّا فوَدَّعَنَا الأَحَمُّ الأَشْهَبُ
للهِ يَوْمَ غَدُوتَ عَنّي ظاعِناً ... وسُلِبْتُ قُرْبَكَ أَيّ عِلْقٍ أُسْلَبُ
الآنَ إِذْ كَمُلَتْ أَدَاتُك كلُّهَا ... ودَعَا العُيُونَ إِليْك زِيٌّ مُعْجِبُ
واخْتِيرَ مِن خَيْرِ الحَدَائدِ خَيْرُهَا ... لك خَالِصاً ومِن الحُلِيِّ الأَغْرَبُ
وغَدَوْتَ طَنَّانَ اللِّجامِ كأَنّما ... في كلِّ عُضْوٍ منكَ صَنْجٌ يُضْرَبُ
وكأَنّ سَرْجَك فَوقَ مَتْنِ غَمَامَةٍ ... وكأَنّمَا تَحْتَ الغَمَامَة كَوْكَبُ
ورَأَى عَليِّ بك الصَّديقُ مَهَابةً ... وغَدَا العَدُوُّ وصَدْرُهُ يَتَلَهَّبُ
أَنْسَاك لا بَرِحَتْ إِذاً مَنْسِيّةً ... نَفْسي ولاَ زالَتْ بمثْلِ: تُنكَبُ
وكان الفَضْل بن عبد الله مُولَعاً برُكُوبِ البِغَال، فقال له بعضُ إِخوانه: ما وَلُوعُك برُكُوب هذه الدّابَّةِ، فوالله ما يُدرَكُ عليها ثَأْرٌ، ولا يُسْبَقُ عليها يَومَ الرِّهَان. فقال: إِنّهَا نَزَلَتْ عن خُيَلاَءِ الخَيْلِ، وارْتَفَعَتْ عن ذِلّة العَيْرِ وخيْرُ الأُمُورِ أَوْسطُهَا.
وقال الأَصمعيّ: أَحْسَنُ ما قِيلَ في صَلْصَلَةِ لِجام بلسان فَرسٍ قَوْلُ ابن مُقْبِل:
ستَبْكِي على عَمْرٍو عُيُونٌ كَثِيرةٌ ... فعُدُّوا المَذَاكِي بالمُثَقَّفَةِ السُّمْرِ
وكُلّ علَنْدًى شُقَّ أَسْفَلُ ذَيْلهِ ... فشُمِّرَ عن ساقٍ وأَوْظِفَةٍ عُجْرٍ
يُقَلْقِلُ في فَاسِ اللِّجَامِ لِسَانَه ... تَقَلْقُلَ عُودِ المَرْخِ في جَعْبَةٍ صِفْرِ
وقال خالدُ بن صفْوان: بئسَ الدّابَّةُ الحِمارُ، إِنْ أَرسَلْتَه وَلَّى، وإِنْ وقَفْتَهُ أَدْلَى، قَلِيلُ الغَوْث، كَثِيرُ الرَّوْث، بَطئُ عن الكُرّ، سَرِيعٌ إلى الفَرّ، لا يُنْكَح به النِّساءُ، ولا تُرَاق به الدِّماءُ.
ونَقْتَنع بما ذكرْنا من صِفات الخَيْل وما جَانَسَها، إِذْ كان لا يُدْركُ ما قالتِ العَربُ فيها، ولا ما قَاله المُحدَثون أَيضاً، ففيما ذكرناه كِفَايَةٌ إِنْ شاءَ اللهُ وهو حَسْبي.
[باب]
في البَرِّ والإبِل والظُّعنِ
والبَحر والمَراكِب والسُّفُنْ