مَغَانِي تَصَابٍ جَمّعتْ فِرَقَ الصَّبَا ... على نَكْبِهَا نَكْبَاءُ مُورٍ وحَرْجَفُهْ
لَبِسْن نُحُولِى أَو لَبِسْتُ نُحُولَهَا ... فتَعْرِفُ فيهَا كُلَّ ما فِىَّ تَعْرِفُهْ
تُرَاحُ بأَنْفَاسٍ فُؤادِي مَهَبُّهَا ... وتُسْقَى بمُزْنٍ دَمْعُ عَيْنِى يُكَفكِفُهْ
ولا غَرْوَ أَن يَبْلَى بِلَى الدّارِ مُغْرَماًفإنَّ بِلَحْظِ العَيْنِ يُدْنَفُ مُدْنَفُهْ
مَنَازِلُ أَنْزَالي إِذا ما نَزَلْتُهَا ... أسًى وقِرَى عَيْنِى بها الدَّمْعُ تّذْوفُهْ
تَحيَّفْنَ أيْدِي نَوْئِهَا أَيْدَ نُؤْيِهَا ... فلم يَبْقَ للأَيّامِ ما تَتَحَيَّفُهْ
وله أيضاً:
مَرَابِعُ لو كُنّ المَرَابِعُ أَنجماً ... لَكُنّ نُجُوماً للنُّجومِ المَوَائِلِ
أَشَاعِتُ كالخيلانِ في خَدِّ كاعِبٍ ... ونُؤْىٌ طَوَاه النَّأْىُ طَىَّ الخَلاخِلِ
وقَفْتُ بها والصَّبْرُ ليس بوَاقِفٍ ... عَلىّ ورُوحِي رَاحِلٌ في الرَّواحِلِ
وما زُرْتُهَا إِلاّ استَزارَتْ مَدَامِعِى ... فجاءَتْ بسُحْبٍ كالسَّحابِ الهَواطِلِ
وما اسْتَنْزَل الأَجْفَانَ مِن عَبَراتِها ... ، ولا سِّما أَن أَقفرَت، كالمَنَازِلِ
وللزُّريقيِّ:
تَسمَّعْ للمَنَازِل ما تَقولُ ... لأَمْرٍ ما تَكَلَّمِ الطُّلولُ
وكيفَ يُجِيبُ سائلَه مَحَلٌّ ... بسُلْمَانين من سَلْمَى مُحِيلُ
ومِثْل المستهامِ أَخِى التَّصَابِى ... شَجَتْ أَطْلالُهَا الدُّرسُ المُثُولُ
وقلت:
مَغَانِى الهَوَى هَيَّجْنَ قَلْباً مُتَيَّماًمُعَنًّى بأَشْجانِ الصَّبَابةِ مُغْرَمَا
وَقَفْتُ على أَطْلالِهَا مُتَرسِّماً ... فكادَتْ لفَرْطِ الشُّوْق أَن تَتكلَّمَا
عُهُودٌ عَهِدْنَاهَا تَشوقُ قُلوبَنَا ... سَقَاهَا عِهَادُ المُزْنِ ريًّا ودَيَّمَا
رَبَعْتُ على رَبْعٍ بها ولَطالَمَا ... غَنِيتُ بمَغْنَاهُ زَمَاناً تَجَرَّمَا
عفَتْ آيَهُ الأَنواءُ حتَّى تَغيَّرتْ ... مَعَالِمُه بَعْدِى وقد كان معْلَمَا
فيالَكَ مِن رَبْعِ التَّصَابِي ومَنْزِلٍ ... خَلاَ اللَّهْوُ منه حين خَلَّيْنَه الدُّمَى
لقَدْ هَمَّ أَن يُبدِي السّلامَ صَبَابَةً ... إليَّ ووَجْداً إِذْ وَفَفتُ مُسَلِّمَا
وأيضاً:
عَرِّجْ بمغْنَى الصِّبَا وأَطْلالِهْ ... فاسْأَلْهُ عن أُنْسِهِ وحُلاّلِهْ
يا رَبْعُ قد كُنْتَ للصِّبَا وَطَناً ... إِذْ أَنَا أَختالُ في ذُرَا خَالِهْ
فصِرْتَ مَبْكىً لكلِّ ذي شَجَنٍ ... أَسْعدَهُ طَرفُهُ بتَهْمَالِهْ
لمْ أعتقِبْ من رُسُومِ مَنْزِلها ... بعْدَ وُقُوفِى به وتَسْالِهْ
إلاّ حَنِيناً طَفِقتُ أَبْعثُهُ ... كأَنَّهُ رَجْعُ حَنَّةِ الوَالِهْ
وأنشدني محمد بن صدقة لحفص محصه يصف الأثافي:
شَجَتْك بأَعْراض المَحاضِر نُوقُ ... رَأَمْنَ وما في مِثْلِهِنّ طُروُقُ
على أحْرَجٍ مُطْلَنْفِىٍْ دافَعَتْ له ... أَذَى الرِّيح رُمْكٌ بالتُّرَابِ لُصُوقُ
أخذه من قول الكميت:
لم تُهِجْني الظُّؤَارُ في الدِّمْنَة القفْ ... رِ بُرُوكاً ومَالَها رُكَبُ
جُرْدٌ جلادٌ معطَّفاتٌ على ال ... أوْرَقِ لا مُصْحَفٌ ولا خَشِبٌ
أُنِخْنَ أُدْماً فصِرْن دُهْماً ومَا ... غيَّرَهنَّ الهِنَاءُ والجَرَبُ
هُنّ مَطايَا المُضَمَّنَات من ال ... جُوع دَوَاءَ العِيَالِ إِن سَغِبُوا
في الآل والسَّراب
للعرب في هذا كثير، تركنا ذكره لكثرته وشهرته، واخترنا شيئا يسيراً مما ليس بمشهور، من ذلك قول شرشيرٍ الجدليّ:
كأنّمَا الآلُ بأَغْوالِها ... سَوَائمٌ قد غَابَ رَاعِيهَا