وهو يومٌ لبني زَيْدِ بن عَمرٍو، على بني أَسَد، وفيه مَقْتَلُ قَيْس بن جَابرٍ الأَسَدِيِّ، قَتلَه عُبَادُ بن عامِرِ التّغْلبيُّ.
أَغَار الهُذَيلُ بن هُبَيْرَةَ التَّغلبيُّ على بني أَسَدِ بن خُزَيمةَ، يومَ عاقِلٍ، ومع بني أَسَدٍ يومئذ طَوَائفُ من بَنِي كِنَانَةَ بنِ خُزَيمةَ فلَمَّا الْتَقى القوْمُ حملَ عُبادُ بن عامرٍ أَخو بني الدِّيلِ بن زيد بن عمْروٍ على قَيْس بن جابِر، وكان فارِسَ بني كاهِلٍ، فصَرعَهُ، ونادى الحارِثُ بنُ وَرْقاءَ الأَسدِيُّ: يالَ أَسَدٍ، ونادى الهُذَيلُ: يالَ تَغْلِبَ، واشتدَّ الأَمْرُ بين الحَيَّينِ، وقُتِلَ من بني الصَّيْداءِ وَائلُ بنُ الحارِثِ، وفَقْعَسُ بن عرِينةَ، ومن بني كاهِلٍ عَمْرُو بن زَيْدٍ، وسُفْيانُ بن الأَزْرقِ، في جماعَةٍ كثيرَةٍ، وأُصِيبَ نِسَاءٌ من بني غَاضِرَةَ وبني الصَّيْداءِ، وحَمَى القَوْمُ بَني كاهِلٍ حتى حجَزَ اللَّيْلُ بينهم، وعُبَادٌ يَكُرُّ عليهم في سَوَادِ الليلِ ويقول:
نحنُ بني زَيْدِ بنِ عمْرٍو في الذُّرَا
لا نَطْعُنُ الطَّعْنةَ إِلاَّ في الكُلَى
طَعْناً دِرَاكاً بعْدَهُ ضَرْبُ الطُّلَى
نِعْمَ حُماةُ القَوْمِ نَحْنُ في الوَغَى
وانصرفتْ تَغْلبُ، وقال الهُذَيلُ:
أَلمْ يَأْتِ أَحْيَاءَ الأَرَاقِمِ أَنَّنَاوَطِئْنَا قُعَيْناً وَطْأَةَ المُتَشَاقِلِ
وحيّ بَنِي الصَّيْداءِ نِلْنَا حَرِيمَهم ... غَدَاةَ التَقَيْنَا يومَ بُقْعَةِ عاقِل
ولَمَّا تَنَادَوْا دَعْوةً أَسَديّةً ... وعَمُّوا بها مِنْ دُونِ تلْك القَبَائلِ
ونَادَيْتُ في حيِّ الأَرَاقمِ دَعْوَة ... أَجَابتْ عَلَيْهمْ كُلّ جِنِّ وخَابِل
فأَجْلَوْا لَنَا عنْ مَالِكٍ وابْنِ فَقْعَسٍوقَيْسٍ وعَمْرٍو والفَتَى النَّجْدِ وَائلِ
ومِن أُسْرةِ المَهْزُولِ قَتْلَى كَثِيرَةٌ ... تَخَألُهُمُ في الهيْج أُسْدَ الغَيَاطِلِ
وأَسْرَى تَهَادَى في القِيَادِ ونِسْوَةٌ ... قُعَيْنِيَّةٌ مثْلُ الظِّباءِ الخَوَاذِلِ
وقالت ابنةُ قَيْس بن جابرٍ تَرثيِ أَباهَا وقَومَها:
تَطَاوَلَ لَيْلِي للهُمومِ الحَوَاضِرِ ... وشَيَّبَ رأْسِي يَوْمُ قَيْسِ بنِ جَابرِ
فإِنْ تَكُنِ الأَحْدَاثُ أَوْدَتْ بِفَارِسٍعَظِيمِ المِسَاعِي في السِّنِينَ الغَوَابِرِ
فقد عَلمَتْ أَحْيَاءُ زَيْدٍ وكَأهِلٍ ... وعَمْرٍو ووَدَّانٍ قَبِيلَ الغَوَاضِرِ
بأَنَّ أَبِي قَدْ كانَ فَارِسَ قَوْمِه ... به تَتّقِي حَدَّ الرِّمَاحِ الشَّوَاجِرِ
فلا يَهْنِئنْ حَيَّ الأَرَاقمِ فَقْدُهُ ... فكلُّ امْرِئٍ رَهْنٌ لِرَيْبِ المَقَادِرِ
؟ يَومُ غَبْغَب
وهو يومٌ لبني مُعاوية بن عمرٍو، على بني فَزارة خرجَ الأَخنَسُ بن شِهَابٍ فِي خَيلٍ من بني تَغلِبَ، فأَغار علَى بني فَزَارَة يومَ غَبْغَب، فاقتتَلُوا قِتَالاً شديداً وحمَلَ الأَخْنَسُ على حُذَيفةَ بنِ بَدْرٍ فطَعنَه فأَرْداهُ عن فَرَسه وتَنادَتْ فَزَارةُ فخَلَّصَتْه من المعرَكة، وصَبَروا حتى كثُر القتلُ بين الفريقَيْن، ثمّ انْهَزمت فَزَارةُ، وقُتِل منهم سَمْحُ بن عَمْروٍ الفَزَاريُّ، ومُرّةُ بن لَوْذانَ، والأَشهَبُ بن وَبْرةَ، وعمْرُو بن مُسْهِرٍ، وقُرّةُ بن عبد الله ومازِنُ بن نِيَارٍ، ومُرَّة بن ظالم، في قَتلَى كثيرةٍ، وأَصابوا سَبْياً ونَعماً.
فقالَ الأَخْنَسُ بن شِهَابٍ:
صَبحْنَا فَزَارةَ قَبْلَ الشُرُوقِ ... بشُمِّ العَرَانينِ مِن تَغْلِبِ
بكُلِّ فتًى غَيْر رِعْدِيدةٍ ... يُرَوِّي السِّنانَ إلى الثَّعْلَب
علَى كُلِّ جَرْدَاءَ سُرْحُوبةٍ ... وأَجْرَدَ ذي ميْعةٍ سَلْهَبِ
فلَمَّا رَأَوْها تُثِيرُ العَجَاجَ ... خَوَارِجَ مِنْ جانِبَيْ غَبْغَبِ
تَنَادى حُذَيْفَةُ في قَوْمهِ ... ونَوَّهَ بالأَقْرَبِ الأَقْرَبِ
فأَطْعُنُه فهَوَى لِلْجَبِينِ ... وحَصَّنَه آجِلٌ مُرْبَب