إِنّي غَزَوْتُ إِلى قَوْمٍ جَحَاجِحَةٍ ... كانُوا لأَوَّلِنا في الدَّهْرِ أَنْصارَا
شُمْس العَداوةٍ مَخِشيّ أَسِنَّتُهمْ ... لمْ يُدْرِكِ النَّاسُ منْهم قَطُّ أَوتَارَا
يكْسُون هَامَ مُلُوكِ النّاسِ ضَاحِيةً ... بِيضَ الصَّفِيحِ إِذا ما مَلْكُهُمْ جَارَا
إِنَّ الكُلاَبَ به قَتْلَى مُصْرَّعةٌ ... كَانُوا لَنَا سُنَّةً نَقْضاً وإِمْرَارَا
لَوْلاَ الظَّلامُ وأَنّ اللَّيْلَ خالَطَهمْ ... لم تُبْقِ تَغِلبُ مِن حَيَّيْك دَيَّارَا
غَسَّانُ صُبْرٌ وأَحْيَا تَغْلِب بُهَمٌ ... كُلٌّ يُحَدِّدُ أَنْيَاباً وأَظْفَارَا
وقال ابن عُنُق الحَيّة:
ظَنَنْتُ ظُنُوناً فأَخْلَفْنَنِي ... كَمَا أَخْلَفَ السَّفْرَ رَيْعُ السَّرَابِ
وقالُوا الغَنِيمَةُ في تغْلِبٍ ... فسِرْنَا إِليهِمْ بجَيْشٍ سِغَابٍ
ذوَائبَ مِن كُلِّ صُيّابَةٍ ... ولَيْسَ القَوَادِمُ مثْلُ الذُّنَابِ
علَى كُلّ جَرْدَاءَ خَيْفَانَةٍ ... ولاَحِقَةِ الإِطْلِ مِثْلِ العُقَابِ
فَوَارِسُهَا الشُّمُّ مِن مالِكٍ ... وعَمْرو ولَخْمٍ وحَيَّيْ شِهَابِ
أَقُودُ خَمِيْساً له أَزْمَلٌ ... وقَدْ قَادَني الحَيْنُ نُحْوَ الكُلاَبِ
إِلى أُسْرَةٍ غَيْر مَذْمومةٍ ... إِذَا أَبْدَتِ الحَرْبُ حَجْلَ الكِعَابِ
وقَامَتْ رَحَانَا على قُطْبِها ... وفَرَّتْ هُنَالِك عنْ حَدِّ نَابِ
وجَاءَ الأَرَاقِمُ لا يَنْثَنُونَ ... كأُسْدٍ خَوَارِجَ مِنْ بَطْنِ غابِ
سَوَاكِنَة الخَيْلِ في نَقْعِها ... بطَعْنِ النُّحورِ وضَرْبِ الرِّقابِ
ووَقْعِ الصِّفَاحِ على الدَّارِعِينَ ... وأَسْرِ الكُمَاةِ وحَوْيِ النِّهابِ
فأَمْعَنْتُ رَكْضاً على قَارِحٍ ... يَمُجُّ نَجِيعاً من المَوْتِ جَابِ
وقَدْ زَايلَ القَلْبَ أَنْيَاطُه ... ولَمْ يَبْقَ إِلاّ نِيَاطُ الحِجَابِ
وقال مُهلْهِلٌ في هذا اليومِ قَصِيدةً طَوِيلةً أَوَّلُهَا:
لَوْ كَان شَيءٌ لابْنِ لِحْيَةَ ناهِياً ... لَنَهَتْه عَنّا وَقْعَةُ السُّلا؟ َّنِ
ويقول فيها:
لَمّا رَأَوْنَا بالكُلاَبِ كأَنَّنا ... يَوْمَ اللِّقَا أُسْدٌ عَلى خَفَّانِ
نَهَضَ الكُمَاةُ بكُلِّ أَبْيَضَ صارِمٍ ... وبكُلِّ أَسْمَرَ مَارِنٍ حَرَّانِ
يَمْشونَ في حَلَقِ الحَدِيدِ كَأَنّهمْ ... جُرْبُ الجِمَالِ طُلِينَ بالقَطِرانِ
فنَجَا بمُهْجَتِهِ وأَسْلَمَ قَوْمَهُ ... مُتَسَرْبِلِينَ زَوَاغِفَ الأَبْدَانِ
وبنُو نُوَاسٍ تَحْتَ ظِلِّ لِوَائِهمْ ... مُتَعَطِّفِينَ علَى ابْنِ ذِي الحيلاَنِ
وهَوَى ابْن نَائلَ في المَكَرِّ كأَنَّه ... والرُّمْحُ شاجِرُهُ قَرِيعُ هِجَانِ
؟ يَومُ الكُلاَبِ الثاني
كان بَدءُ هذا اليومِ أَن الغَلْفاءَ سَلَمَةَ بنَ عَمرو بن الحارِث الكِندِيَّ كان في بني تَغلِبَ مَلِكاً، وكان أَخوهُ شُرَحْبِيلُ مَلِكاً على بني تميم وقيسٍ وبطونٍ من بَكْرِ بن وائل، فعَلاَ الشَرُّ بين المَلِكَيْن، حتى جعلَ كلُّ واحد منهما لمن جاءَ برأْسِ أَخِيه مائةً من الإِبل، فبعثَ شُرَحْبِيلُ مُجاشِعَ بن العَقِيلَةِ التَّميميَّ في خَيْلٍ من بني تَمِيم، فأَغَارُوا على ناحِية لبني تَغْلِبَ، فأَصَابُوا أفراساً سائمةً، فقال رجلٌ من بني ذُهْل بن شَيبَانَ كان معهم:
لا تَاْخُذَنْ أَفراسَ تَغلِبَ إِنّهَا ... يا بْنَ العَقِيلَةِ شَوْبُ سمٍّ ناقِعِ
والشَّرُّ يَبْدؤهُ الصَّغيرُ وهذِه ... فيها مَهَالِكُ نَهْشَلٍ ومُجَاشِعِ
فأَخذَها التميميُّ وقال: