ماذَا تَظُنّ وأَشباهُ السِّبَاع لها ... خَوَاطِفٌ خُلُسٌ قد حُكِّمَتْ فِيهَا
ولعبد الله بن المعتزّ في الصقر:
يا رُبّ ليلٍ كجنَاحِ النَّاعِقِ
سَرَيْتُه بفِتْيةٍ بَطَارِقِ
تَنْتابُ صَيْداً لم يُرَعْ بطارِقِ
بِأَجْدَلٍ يَلْقَنُ نُطْقَ النّاطِقِ
مُلَمْلَمِ الهَامةِ فَخْم العَاتِقِ
ذي مَخْلَبٍ أَقْنَى كنُونِ المَاشِقِ
وجُؤْجُوٍ لاَبِسِ وَشْىٍ رائِقِ
كأَثَرِ الأَقلامِ في المَهَارِقِ
أضو كبَقَايَا الكُحْلِ في الحَمَالِقِ
حتَّى بَدَا ضَوْءُ صَبَاحٍ فاتِقِ
وله في الكلاب والصقور:
وقِيدَتْ لِحتْف الصَّيْدِ غُضْفٌ كَوَاسبٌ ... كمِثلِ قِدَاحش البَارِيَات نَحَائِفُ
إِذا انْخرطَتْ من القلائدِ خِلْتَهَا ... تَرَامَى بها هُوجُ الرّيَاحِ العَوَاصِفُ
تَقاسَمَهَا قَبْضَ النُّفوسِ أَجادِلٌ ... ففِى الأَرْض نَهّاشٌ وفي الجَوّ خاطِفُ
كأَنّ دِلاَءً في السَّمَاءِ تَحُطُّهَا ... وتَرْقَى بها أَيدٍ سِرَاعٌ غَوَارِفُ
يُشَقِّقُ آذَانَ الأَرَانبِ صَكُّهَا ... كما صَكَّ أَنْصافَ الكَوَافِيرِ خَارِفُ
فصَبَّحَ خِزَّانَ القُرَيَّةِ غُدْرَةٍ ... شَياطِينُ في أَفْوَاههنّ المَتَالِفُ
وله في الفرس والصقر:
قد أَغْتَدِى والليلُ ذو مَشيبِ
بقَارحٍ مُسَوَّمٍ يَعْبُوبِ
ذي أُذُنِ كخُوصَةِ العَسِبِ
أَوْآسَهٍ أَوْفَتْ على قَضِيبِ
يَسْبِقُ شَأْوَ النَّظَرِ الرَّحيبِ
أَسْرَع من مَاءٍ إلى تَصْوِيبِ
ومن نُفُوذِ الفِكْر في القُلوبِ
وأَجْدَلٍ حُكِّمَ في التَّأْديبِ
صبٍّ بكَفِّ كلِّ مُسْتجيبِ
أَسْرَع من لحْظَةِ مُستَرِيبِ
وقال إسحاق بن خلف:
جِئنَا بِه من صَيْده نَزُفُّهُ
وكلُّنا من شَفَقٍ نَحُفُّهُ
أَشْغَى قَليلٌ رِيشُه وزِفُّهُ
مُختضِبٌ مِنْسَرُهُ وكَفُّهُ
من الدِّماءِ مزْجُهُ وصِرْفُه
سِيَّانِ ما قُدّامُهُ وخَلْفُهُ
ولأبي مليطٍ العنبريِّ يهجو صقراً:
مالك من صَقْر لقِيتَ حَتْفَكَا
أَمَا تَرَى إِلى الحُبَارَى خَلْفَكَا
لائِذةً لم تَرَ صَقْراً قَبلكَا
وأَرْنباً أُخْرَى أَثَرْناهَا لَكَا
وكَرَوانَاتٍ كَيِيراً حَوْلَكَا
تُقْبِل نَحْوىِ وتُوَلِّيَها اسْتَكَا
لقد عَرفْتُ أَذ رأيْتُ نَوْمَكَا
تَجْعلُ في ثِنْىِ الجناحِ رَأْسَكَا
إِنَّك لن تُغْنِىَ عنِّى نَفْسَكَا
وهذه الأبيات طريفةٌ في معناها، وقعت من الأفراد وإن لم تكن من الكلام البارع.
[في اليائى والبواشيق]
الباشق رقيقٌ لا يحمل الحرَّ ولا البرد، وإنّما يلعب فيه في الفصلين، وهو بطىء التأديب، لا يلعب به ويقوِّمه إلاّ أحذق الطُّرّاد، لدقَّة لعبه وتقويمه، ولم تقل فيه الشُّعراء كبير شيء إلاّ ما قد ذكرناه، واليؤيؤ في صلبة الصقر وصبره على البرد والحرّ، وهو من جنسه، ويشبهه في لونه.
قال أبو نواسٍ في يؤيؤٍ:
ويُؤْيُؤٍ أَسْفَعَ كالدّينارِ
أَدْكَن قَدْ وُشِّىَ باحْمرارِ
بنُقِطٍ مَلائِحٍ صِغَارِ
حُرٍّ يُقِرُّ أَعْيُنَ الأَحْرَارِ
كأَنَّ عُشْرَيهِ لَدَى الأَمْطَارِ
سُودُ مَدَارِى الخُرِّدِ العَذَارِى
يَعْمدُ للهَدَاهِدِ الصِّغَارِ
فمَا تَرَاهُ أعْينُ النُّظَّارِ
من خَطْفِه يَذْهَب بالأَبْصَارِ
حَتّى يَقُدّ ثَبَجَ الفَقَارِ
وله فيه:
قد أَغتِدى واللّيْلُ في مُكْتَمِّهِ
بيُؤْيُؤٍ أَسفعَ يُدْعَى باسْمِهِ
مُقابَل من خالِه وعَمِّهِ
فأَيُّ عِرْقٍ صالحٍ لم يَنْمِهِ
وقانِصٍ أَخْفَى به من أُمِّهِ
لوْ يَستطيعُ قَاتَه بَحْمِهِ
ما زَال في تَقديحِه ونَهْمِهِ
يُوحِى إليه كَلِماتِ عِلْمِهِ
يَقِيه من بَرْدِ الثَّرَى بكُمِّه
تَوْقِيَةَ الأُمِّ ابْنَها في ضَمِّه
بمَا يلذُّ أَنْفُها من شَمِّهِ