وإِنّ راعِياً للزَّبّان نَظَرَ في آخرِ اللَّيْل وهو يُوقِدُ ناراً إلى الدُّهيْم بارِكةً في عُرْضِ الإِبلِ، فقال: هذه واللهِ ناقةُ عَمْروٍ، قال له الزّبّانُ: انْظُرْ ما علَيْهَا، قال: أُرَاهُ بَيْضَ النّعام أَصَابَهُ بَنُوكَ فبعَثوا به، قال: انْظُرْ وَيلكَ عمّا يُفْرِخُ البيْضُ، فنَظَرَ فإذا الرُؤوسُ، فنادى بالوَيْل، وثَار الزَّبّانُ مذْعوراً، فلمّا نَظَر إلى الرُؤوس قال: " آخِرُ البزّ على القَلُوص " فذهبت مثلاً، ثم وضع الرؤوس بين يديه، وصرخَ: يالَ ثَعلبَةَ، يالَ بَكرِ بن وائِلٍ، فهاجَ النّاسُ إِليه من كُلِّ جانبِ، ومَكَثُوا حيناً لا يَعْرفُون من قتَلَهم، وإِنّ عَمْرو بن لأْي بن الحارث ابن موْأَلَة بن عَمْرو بن مالك بن تَيمِ اللهِ بن ثعلبةَ أَنشَدهم الناسَ، وذكَر أَمرَهم، فعُرِّفَ أَنّ خَوْتعةَ الغُفَلِيّ دَلّ علَيْهم كَثِيفاً فقَتلَهم، فعَرَّفَ الزّبّانَ فحلَفَ أَلاَ تَخْبُوَ لَهُ نارٌ، ولا يقْرُبَ النِّساءَ، ولا يُحَرِّم دَمَ غُفَلِيٍّ أَبداً حتّى يَدلُّوه على عَدوّه كما دلُّوا على بَنِيه ويُدرِك ثأْرَه من بني تغلِبَ، فنادَى في بكرٍ فأَجَابَتْه بنو ثَعْلَبة، وخذَلتْه لُجَيْمٌ وَيْشكُرُ وحُلفَاءُ كانُوا له من عَنَزَةَ ويَشْكُرَ.
٢٥٠ - فقال الزّبّانُ في ذلك:
أَبَنِي لُجَيمٍ منْ يُرَجَّى بعْدَكمْ ... والحيُّ قد حُرِبُوا وقد سُفِك الدَّمُ
ولَعَمْرُ وُدّي لَوْ جَمَحْنَ عَلَيْكم ... جَمْحَ اللُّيُوثِ لما قَعَدْنَا عَنْكُمْ
دَعْ عَنْك يَشْكُرَ إِذْ نَأَتْك بوُدّهَا ... فلَقَدْ بدا لي أَنَّهُم لمْ يأْلَمُوا
مَنْ مُبْلِغٌ عَنّي الأَفاكِلَ مالِكاً ... وبنِي قُدَارٍ أَنَّ حِلْفِي الأَعْظَمُ
وقال في مالك بن كُومَةَ:
بَلِّغَا مالكَِ بنَ كُومةَ أَلاّ ... يَأْتِي الَّليْلُ دُونَه والنَّهَارُ
كُلَّ شيءٍ سِوَى دِمَاءِ بني ذُهْ ... لٍ عَلَيْنَا يَوْمَ اللِّقَاءِ جُبَارُ
أَنَسِيتمْ قَتْلَي كَثِيفٍ وأَنْتُمْ ... ببِلادٍ بِهَا يَكُونُ العشَارُ
إِنّنِي قدْ أَتَتْ إِليَّ قَلُوصِي ... بأُمورٍ يَطِيحُ فيها الكِبارُ
عُضْلَة تَحْمِلُ الدَهِيَّ مِنَ الأَمْ ... رِ وفيها تَشَدُّدٌ ونِفَارُ
قَتَلُوا سِتَّةً بغَيْر قَتِيلٍ ... مُّلِكَ الذُّلُّ بعْدهُمْ والصَّغارُ
إِن نَجتْ نَجْوَةً بتَغلِبَ أَو نَجَّ ... تْ علَى نَأْيِها غُفَيلةَ دارُ
قبْلَ أَن نَثْأَرَ القتِيلَ بقَتْلَي ... بعْدَ قَتْلَى وتُنْقَضَ الأَوْتَارُ
فلَقدْ نَالَنَا بِذلك عارٌ ... وكَفَانَا بِذِي الرَّزِيَّةِ عارُ
ولما رجع كَثِيفٌ إلى بني تَغلِب وقد قتَلَ بني الزّبان، قال السُّفاحُ بن خالد بن كعب بن زُهَير:
أَلاَ يا للظَّعَائنِ لوْ سَريْنَا ... لَعلّ الخَيْلَ يقْضِيهنّ دَيْنَا
فلَمّا أَنْ أَتَيْنَ على ثَمِيلٍ ... تَأَزَّرْنَ المَجَاسِدَ وارْتدَيْنَا
أَلاَ من مُبْلِغٌ عَمْرو بنَ لأْيٍ ... بأَنّ بَنَانَ وِلدتِهِ لَديْنَا
فلَم نَقْتُلْهُمُ بدَمٍ ولكِنْ ... هَوانُهُمُ ولُومُهمُ علَيْنَا
ومَكَث الزبّانُ عَشْر سِنين ما أَدَركَ ببَنِيْه، ثم إِنْ رجُلاً من غُفَيْلَة، يقال له: وَقْشٌ، أَتى الزبّانَ ليْلاً، فعرّفه أَن قوماً من أَعدائِه بالأَقَاطن فقال الزَّبان: قدْ أَنَى لك، ونادَى يالَ بَكر، فاجْتمعت إِلَيْه بن ثَعلَبة، فالمُقَلِّلُ يقول إِنهم كانوا ثلاثمائة وستين فارِساً، وسَارُوا وأَوَثقَ الزَّبانُ وَقْشاً، وحَبَسه عند أَهلِه، فلما دَنَوٍْا الأَبْيَاتِ وَجَّهَ الزَبّانُ مَن حَزَرها ليلاً، فعَرَّفَه أَنّها نَحْو الثمانين بيتاً، فكبَسهم، فقتَل منهم ثَلاَثة عشر رَجلاً، وقُتِل أَبو مُحيَّاةَ بن زهير بنُ تَيم بن أُسامة، واسمُهُ ضِرارٌ وهو عَمُّ السّفاح.
وقال عَمْرو بن لأْيٍ:
ألا مَن مُبلِغُ السفّاحِ أَنّا ... قَتَلْنَا من زُهيرٍ ما ابْتَغَيْنَا