للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفيه مَقْتَلُ مالكِ بن نُوَيرةَ اليَرْبُوعِيّ، قَتَله ضِرَارُ بن الأَزْورِ الأَسدِيّ، أَمرَه بذلك خالدُ بن الوليد.

كان مالكُ بن نُويرة يُسمى الجَفُولَ وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وآله بَعَثَهُ مُصدِّقاً لَقوْمه، وبعثَ أَيضاً وُجُوهاً من العَرب سُعَاةً على الصَّدَقة، منهُم الزِّبْرِقانُ بن بَدر، قال فقُبِضَ النَّبيُّ صلى الله عليه وآله، وفي أَيديهم الصَّدقةُ، فأَكلوها غيرَ الزِّبرْقان وَحْدَهُ، فإِنّه سارَ بها حتَّى أَتَّى بها إلى أَبي بكر، ثم أَنْشأَ يقولُ:

وفَيْتُ بأَذْواد النَّبِيّ وقدْ أَبى ... سُعَاةٌ فَلَم يَرْدُدْ بَعِيراً مُجِيرُهَا

أَرَدْتُ بها التَّقْوَى ومَجْدَ حَدِيثِها ... إِذَا عُصْبَةٌ سامى قَبيلى فَخُورُهَا

وإِنِّيَ من قَوْمٍ إِذا عُدَّ سَعْيُهُم ... أَبَى المُخْزِيَاتِ حَيُّها وقبُورُهَا

صِغَارُهُمُ لم يَطْبَعُوا وكِبَارُهمْ ... أُصِيبَتْ منَايَاها عِفَافاً صُدُورُها

وأَشْوَسَ سامٍ قد عَلوْتُ وعُصْبَةٍ ... حَنَاقَى غِضَابٍ صَدَّ عنِّي فَجُورُها

أَبَى رَهْبَة الأَعداءِ مِنّي جَراءَتِي ... وفَتْكِي إِذَا ما النَّفْسُ نَاجَى ضَمِيرُهَا

ولَيْلَةِ نَحْسٍ في الأُمورِ شَهِدْتُهَا ... بخُطَّةِ عَزْمٍ قَدْ أُمِرَّ مَرِيرُها

وأَبْوَابِ مَلْكٍ قد دَخَلْتُ وفَارِس ... طعَنْتُ إِذَا ما الخَيْلُ شَدَّ مُغِيرُهَا

وفَرَّجْتُ أُولاَهَا بنَجْلاءَ ثَرَّةٍ ... يَخَافُ على رَاجِي الحَياةٍ بَصِيرُهَا

فلما بلغَ مالكَ بنَ نُوَيْرَة وَفاةُ النبي صلى الله عليه وآله، أَمسَك الصَّدَقةَ، وفرَّقَهَا في قَومه، وجَمعهم وقال: إِنّ هذا الرجلُ قد هَلَكَ، يعنِ محمَّداً عليه السلامُ، فإِن قامَ قائمٌ من قريشٍ تجتمعُ عليه العرَبُ جميعاً رَضِيَ منكم أن تدخُلوا في أمرِه، ولم يَطْلُب ما مَضَى من هذِه أَبداً ولم تكونوا أَعطَيْتم النّاسَ أَموالَكم فأَنْتُم أَولى بها وأحقّ، وقال في ذلك:

وقال رجالٌ سُدِّدَ اليَوْمَ مَالِكٌ ... وقال رِجَالٌ مالِكٌ لم يُسَدَّد

فقُلْتُ دَعُوني لا أَبَا لأَبِيكم ... فلمْ أُخْطِ رَأْياً في المَعَادِ ولا البَدِي

وقُلْتُ خُذُوا أَموالَكُم غير خائِفٍ ... ولا نَاظرٍ فيما يَجِئُ به غَدِي

فدُونَكُمُوها إِنَّهَا صَدَقَاتُكمْ ... مُصَرَّرَةُ أَخْلافُهَا لم تُجَدَّدِ

سأَجْعَلُ نَفْسي دُون ما تَحذَرُونَه ... وأَرهَنُكُم يَوْماً بما مَلَكَتْ يَدِي

فإِن قامَ بالأَمْر المُخلَّفِ قائمٌ ... أَطَعْنا وقلنا الدِّنُ دِينُ محمَّدٍ

عليه السلام، فبلغ أبا بكر قوله فعاهَدَ الله خالدُ بن الوليد لَئنْ أَخَذَه لَيقْتُلَنَّه ولَيجعلَنَّ هامتَهُ أُثْفِيّةً للقِدْرِ، ففعل ذلك خالدٌ حين ظَفِرَ به، ولما سارَ خالدٌ لِلقاءِ بني يَرْبوع، خَرَج ضِرَارُ بن الأزْوَرِ طَلِيعَةُ، وخَرجَ مالكٌ طَلِيعَةً لأَصحابه يومَ بُطَاحٍ، فالتَقَيَا فسأَل كلُّ وِاحِدٍ منها صاحبَه عن اسمِه، فقال ضِرَارٌ: أَنا ضِرارٌ، وقال مالِكٌ: أَنا مالك، قال ضِرارٌ فأَنْتَ آمِنٌ. ثم شَدَّ عليه فقتلَهُ. وقال محمدُ بن الحسن: ليس هذا الحديثُ مأْخوذاً به، قُتِلَ مالكٌ صَبْراً بين يدَيْ خالد، قتَلَهُ ضِرارٌ فلذلك قال: مُتمِّمٌ:

أَدْعَوْتَهُ باللهِ ثمّ قَتَلْتَهُ ... لَو قد دَعَاكَ بذِمَّةٍ لم يَغْدِرِ

وخَبَرُ هذا البَيْت يأْتِي في باب المَراثي إن شاءَ الله.

وقال مُتمِّمُ بن نُوَيْرَة يَرْثي أَخاه مالكاً ويهجو ضِراراً:

ألا مَنْ مُبْلغٌ عنّي ضِرَاراً ... ولم أَخَفِ الغَوَائِلَ من ضِرَارِ

فكَيْفَ تَرَكْتَ رَهْطَكَ والمَوَالِي ... كذلك رَائشٌ مِنهْم وبَارِي

وأَصبحَ مَنْ شَمِتَّ به تَأَرَّى ... كشَعْبِ الصَّاع مِن قَدَحِ النُّضَارِ

فإِنّك سَوْفَ تُدِركُكَ المَنَايَا ... ذَمِيماً ثمَّ تُتْرَكُ في الدِّيَارِ

<<  <   >  >>