أَغارَ سَلَمَةُ بن قُرْطِ بن سُفَيْح، في خَيْلٍ من مالكٍ بن بَكْرٍ، ومعهُ بِشْرُ بن سَوَّارِ بن شِلْوَةَ بن عَبْد الحَارث بِن جُنْدُبِ بن الحَارِثِ بن مالِكٍ بن بَكرٍ، على بني قَيْس بن ثَعْلَبَة، فخَرَجَ إِليه أَحْياءُ بني قَيْس: بنو تميم بن قَيْس وضُبَيْعَة بن قَيْس، وبنو سَعْد بن قَيْس، وفَوارِسُ بني جَحْدَرٍ، وهم حُمَاةُ القَوْم وأَنجادُهُم، وجاءَ الحُطَمُ في خيلٍ كثيرةٍ، فالتَقَوْا بعَتِيكٍ صَبَاحاً، فاقتتَلُوا قِتَالاً شديداً، وخَرَجَ الحُطَمُ ونادَى إِلى البِرَازِ فخَرَجَ إِليه بِشْرُ بن سَوّارٍ، فحمَلَ عليه فطَعَنَهُ فصَرَعَهُ وأَسرَهُ، وتَعَاوَرَ القَوْمُ الطِّعَانَ، فصبَرَتْ بنو جَحْدَرٍ، وأُصِيبَ من بني تميمٍ ابن قَيْسٍ ابْنَا عُمَيْر، وطَعَنَ سَلَمَةُ بن قُرْطٍ حُمْرَانَ ابنَ عبدِ عَمْرو بن عَمْرو بن مَرْثَدٍ، فأَفْلَتَ بها، وانهزمَتْ بنو قَيْسٍ، وأَصابَت تَغْلبُ سَبَايَا ونَعَماً كثيرةً في تلك الوَقعةِ.
وقال سَلَمة:
لله دَرُّ فَوَارِسٍ من تَغْلبٍ ... خَضَبُوا الأَسِنَّةَ مِن فَوَارِسِ جَحْدَرِ
لا يَنْثَنون إِذَا الصِّفَاحُ تَخَالَفَتْ ... يَوْمَ الهِيَاجِ وكُلُّ لَدْنٍ أَسْمَرِ
وَطِئُوا ضُبَيْعَةَ يَوْمَ خَوٍّ وطْأَةً ... شَابَ الوَلِيدُ لَهَا مَشِيبَ الأَكْبَرِ
ولَقَدْ عَطَفْنَ على عُبَادٍ عَطْفةً ... أَعْجَلنَ نِسْوتهنَّ شَدَّ المِئْزَرِ
ولَقدْ شَفَى نَفْسِي وأَذْهبَ وَغْمَهَا ... قتْلَى بمُعْتَلجِ العَجَاجِ الأَكْدَرِ
مِن حَيِّ قيْسٍ والضُّبَيْعِ وجَحْدَرٍ ... كانوا الشِّفاءَ لكُلِّ ثَارٍ مُوغرِ
ولقدْ دعَا حُطَمُ النِّزَالَ فبَزَّه ... بِشْرُ بن شِلْوَةَ نَفْسَهُ في العِثْيَرِ
فثَوَى يُقَوَّدُ في الغِلاَلِ جَنِيبَةً ... يَمْشِي العِرضْنَةَ كالْخِدبِّ الأَزْورِ
واسْتيِقَ من تَيْمٍ خَرَائدُ أُنَّسٌ ... من ثَيِّبٍ أَو كَاعِبٍ كالجُؤذَرِ
وقال بِشْرُ بن سَوَّارِ بن شِلْوةَ، وكان من أَعْلام تَغْلِبَ وساداتِهَا:
حَلَفتُ يَمِيناً غيرَ ذي مَثْنَوِيَّةٍ ... بأَنّ ابنَ قُرْطٍ مَاجدٌ وابنُ مَاجِدِ
سَمَا بالعَناجِيجِ الجِيَادِ على الوَجَى ... يُنَكِّبُها بالجَرْيِ صُمَّ الجَلاَمِدِ
إلى سلَفَي حَيَّيْ عُكَابَةَ هَمُّهُ ... لِقاءُ بنِي قَيْسٍ بأَقْصَى المَوَارِدِ
فصَبَّحَهَا قُباً تَضِبُّ لِثَاتُهَا ... علَيْهَا رِجَالُ المَوْتِ مِنْ آلِ خَالدِ
فلمَّا الْتَقَيْنَا جَالتِ الخَيْلُ جَوْلَةً ... بكُلِّ فَتىً حَامِي الحَقِيقَةِ ذَائدِ
ولمّا تَنادَوْا يالَ قَيْسٍ وأَقْبَلتْ ... فَوَارِسُ مِنَّا كالأُسُودِ الحَوَارِدِ
بكُلِّ رُدَينيٍّ أَصَمَّ كُعُوبُهُ ... وأَبيضَ مَصْقُولِ الغِرَارَيْن فَارِدِ
ووَلَّتْ عُبَادٌ عَنْ فَوَارِسَ منهُمُ ... مِنَ المَعْشَرِ البِيضِ الطِّوالِ السَّوَاعِدِ
عَنِ ابْنَيْ نُمَيْرٍ مَالكٍ ومُرَقّشٍ ... وحَسّانَ في أَكفائهِ والمجَالد
فَوَارِسُ أَبْقَوا كُلَّ يَوْمٍ ولَيْلةٍ ... مَآتِمَ نَوْحَى شَجُوُها غَيرُ بَاردِ
وعَنْ حُطَمٍ وَلَّتْ فَوَارِسُ قَوْمِه ... ولمْ أَكُ عنه في البِرَازِ برَاقِدِ
فَرَاحَ يُغَنّيه الحَدِيدُ كأَنَّه ... قَرِيعُ هِجَانٍ في عِشَارٍ طَرَائِدِ
شَفَيْنَا مِن الحَيِّ العُكَابِيّ غُلَّةً ... وأُبْنَا بأَنْعامٍ لهمْ وخَرَائِدِ
ورَاحتْ بحُمْرَانَ بنِ عَمْرو مَنِيّةٌ ... فلَيْسَ إِلى الحرْبِ العَوَانِ بعَائدِ
وقالت أُختُ الحُطَم:
أَشابَ الذَّوائبَ قَبْلَ المَشيبِ ... نَوَائحُ تَبْكِي لأَسْرِ الحُطَمْ
وقَدْ كَانَ في الحَرْب ذَاتُدْرَإِ ... بَصِيرَ السِّنَانِ بطَعْنِ البُهَمْ