للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِنّ الكُلاَبَ ماؤُنَا فخَلُّوهْ ... وسَاجِراً واللهِ لَنْ تَحُلُّوهُ

فاقتتَلَ القوْمُ قِتَالاً شَدِيداً، وكان على مَيْمَنَةِ تميم واليَمَنِ وبَكرٍ عمْرُو بن شُرَحبِيلَ وعلى الميسرةِ الأَسوَدُ بن شُرَحبيلَ، وفي القلب أَبو عُمَيْرٍ المُجَاشِعيُّ، فقَصدَ حنَشُ بنُ مالكٍ المَيْمَنَةَ، وحَمَل على عَمْرِو بن شُرحبيل، فطعنه فصرعه، وقال يا بْنَ المُرَار، لهذا دَعَتْكَ تميم، وهذا بما كَسَبته يَدَاكَ ويَدَا أَبيك، وحمَلَ السّفَّاحُ على أًَبي عُمَير المُجاشِعيّ فطعَنَه فقتلهُ، وكثُرَتِ القَتلى بينهم، ثم وَلَّتْ تميمٌ، وأَسْرَفتْ تَغلبُ في قَتلِهم، ونَادى شُرَحْبِيلُ: يالَ تميم، فلم يُجِبه أحدٌ، وحملَ عليه أَبو حَنَش عُصْمُ بنَ النُّعْمَان التَّغْلبِيُّ فطَعَنَه فقتلَه، واحْتَزَّ رأْسَهُ، وجَاءَ به إِلى أَخيه وقلا: أَيّهَا المَلِك، مُر لي بهُنَيْدَةَ، فغضِبَ حين رَأَى رأْسَ أَخيه وقال. تَسْأَلُنِي إِبلاً وقَدْ قَتلْتَ أَخِي؟ قال: أَنتَ جَعلْتَهَا لمنْ أَتاكَ برأْسِه، وخَرجَ عُصْمٌ مغْضَباً وقال:

قَتَلْتُ شُرَحْبِيلَ بنَ عَمْرِو بنِ حَارِيث ... هُمَاماً عليه التَّاجُ وابْنَ هُمَامِ

فلاَ تَرْجُونْ يا بْنَ المُرَارِ نَصِيحَتِي ... ولا وُدَّ قَوْمٍ مُغْضَبِين رِغَامِ

قَتَلْتُ لك السَّاعِي عليك وحَوْلَه ... تَمِيم ورَامَيْتُ الذين تُرَامِي

ثم إن عُصْماً خَافَ سَلمَة المَلِكَ عَلَى، نفسه واسْتخْفَى، وقال سَلَمَةُ بن عَمْرو بن الحَارِث:

أَلاَ أَبْلِغْ أَبا حَنَشٍ رَسولاً ... فمَا لَكَ لا تَجِيءُ إِلى الثَّوابِ

وما لَكَ لا تَجِيءُ إِلى هِجَانٍ ... منَصَّبَةِ الغَوَارِبِ بالهِضَابِ

تَعلَّمْ أَنّ خَيْرَ النّاسِ طُرّاً ... قَتِيلٌ بين أَحجارِ الكُلاَبِ

تَداعَتْ حَولَه عَمرُو بن غنْمٍ ... وأَسْلَمَة جَعَاسِيسُ الرِّبَابِ

وهي طويلة يُهدِِّدُ فيها أَبا حنَش.

قال مُجِيباً له:

قُلْ لذا الآكِل المُرَارِ خُذِ المُلْ ... كَ ولا تَبْكِيَنْ قَتِيلَ الكُلاَبِ

قد تَرَكْنَا أَخَاكَ في حَمسِ النَقْ ... ع صَرِيعاً مُضَرَّجَ الأَثْوَابِ

أَسلمَتْهُ على الكُلاَب تميمٌ ... بعد طَعْنِ الكُلى وضَرْبِ الرِّقابِ

وأَجَبْنَاكَ إِذْ دعَوتَ وذُو التا ... جِ شُرَحبِيلُ ثَمَّ غَيرُ مُجابِ

تَنْتَمِي حَوْلَكَ الأَرَاقِمُ في النَّقْ ... عِ كأُسْدٍ طَرِيرةٍ الأَنْيَابِ

فانْثَنَتْ عنْه دَارِمٌ وبَنُو الفِزْ ... رِ ويَرْبُوعُهَا وحَيُّ الرِّبَابِ

بينَ كابِي الجَبِين مُنْعَفِرِ الخَ ... دِّ وعانٍ مُشذَّبِ الأَصْحابِ

فقتلْنَا لكَ ابنَ أُمِّك والمُلْ ... كُ عَقِيمٌ مُقَطِّعُ الأَنْسابِ

أَصْبَحوا بالكُلاَبِ تَعْتَفِر الضّبْ ... عُ علَيْهِمْ وعَاوِيَاتُ الذِّئابِ

فاعْتَدِلْ يا بْنَ ذِي المُرًَارِ على القَصْ ... دِ ولا يَغْرُرَنْكَ تِيهُ الشَّبابِ

واختَرَنْ بينَ ما يَقول لك النَّا ... سُ وحربٍ تَحُرُّ بَرْدَ الشَّرَابِ

ودخل مَعد يكرِبُ بنُ عِكَبّ من فَورِهِ وجماعةٌ من رُؤًَساءِ تَغلِبَ، إِلى الملِك وقالوا: إِنّ الغَدْرَ وقِلَّةَ الوفاء لا يَحْسُنُ بالملوك، فإِن أَنَصفْتنا من نَفْسِك وإِلاّ أَنصَفْنا أَنْفسَنا منك، ولا نَقنَع إِلاّ بأَن تُعْطِيَ أَبا حَنَش ما وَعَدتَه. قال: فإِنّي أَفعَلُ، وأَمَر له بمائة ناقة، وقال لأَبي حَنَش: تَرِبَتْ يداك: كَرِيمٌ قَتَلَ مَلكاً.

وقد قال السَّفاحُ بن خالدٍ وعَمْرُو بن كُلثُومٍ وأُفنون بنُ مَعْشَرٍ، وجماعةُ شُعراءِ بني تَغْلِبَ في ذلك اليَوْمِ أَشعاراً كثيرَةً، ترَكْنَاهَا لطولهَا.

ولجابر بن حُنَىٍّ التَّغْلبيّ من قصيدة:

<<  <   >  >>