للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبَصُرَ الجَوْنُ التَّغلبيُّ بحارثة بن عَمْرٍو وقد انحازَ من أَصحابه هارباً، فأَتْبَعَه، فَتَرامَيَا بالنَّبْل حتى فَنِيَ، ثم تَطاعَنَا حتى تَقَصَّفَ رُمْحاهما، ثمّ اجْتَلَدَا بسَيفَيْهما ووَقَعَا إِلى الأَرْض. وصَرَعَهُ الجَوْنُ فشَّدّهُ وَثَاقاً، أَقبلَ به أَسيراً وقال:

من مُبْلِغٌ شَيْبَانَ أَنِّي لم يكُنْ أَمْرِي خَفِيَّا

رَامَيْتُهُ حتَّى إِذَا ... ما كانَ نَبْلاَنا نَفِيَّا

طَاعَنْتُه حتّى إِذا ... ما كَان رُمْحانَا شَظِيَّا

ضَارَبْتُه حتّى إِذا ... ما كانَ سَيْفانَا حَنِيَّا

أَثخَنْتُه غَلَباً وكا ... ن مُمَنَّعاً صَعْباً أَبِيَّا

ثم إِنّ عَمْرَو بنَ هند أَمَر بالأَسارَى فذُبِحوا على رأْسِ أُوَارةَ، فجعلَ الدّمُ يَجْمُدُ، فقال رَبِيعَةُ بن حبيبٍ التَّغْلبِي: أَنا أَبَرُّ يمِينَ الملكِ، قال بماذا؟ قَال، إذا التَّغْلبِي: أَنا أَبَرُّ يمِينَ الملكِ، التَّغْلبِي: أَنا أَبَرُّ يمِينَ الملكِ، قال بماذا؟ قال، إِذا قَتَلْتَ رَجلاً فصُبَّ على دَمِه رَوَايَا الماء، فإِنَّه يَبْلغُ قَرَارَ الأَرْض، فَفعَلَ ذلك، بعد أَن ذُبِحَ مِنهم مائةُ رجُلٍ، وسُمِّيَ رَبيعةَ يَوْمَئذٍ الوَصَّافَ وأَمرَ عَمْرُو بنُ هند بالنّساء أَن يُحَرَّقْنَ، فاستَوْهَبهنّ عَمْرو بنُ كُلْثُوم التَّغْلبيُّ وقَيْسُ بن زُهَيرْ النَّمَريًُّ.

وقال بعضُ شعراءِ بني شَيْبان:

سأُثْنِي على عَمْرٍو وقَيْسٍ كِلَيْهما ... ثَنَاءَ امْرِئٍ أَوْفَي بنَعْمَاءَ شَاكِرِ

هُمَا أَعْتَقَا يَوْم الأُوَارَة سَبْيَنَا ... وقد كانتِ الأَنفاسُ عنْدَ الحَنَاجِرِ

وقال عُبَيدُ بن قَرْعَصٍ التَّغْلبيّ:

قد عَدَتْني حُرُوبُ تَغْلِبَ في القَيْ ... نِ وحَرْبٌ في سَلْهَمٍ وصُدَاءِ

عَنْ مَزَارِ الحَبِيبِ إِذْ شَحَطَ البَيْ ... نُ وحَرْبٌ تُشَبُّ للغَلْفَاءِ

إِذْ رَمانَا ببَغْيِهِ وبَنُو الحا ... رثِ قَوْمٌ يُزْهَونَ بالغُلَوَاءِ

فتَلاَقَيْتٌه وقد سَطَعَ النَّقْ ... عُ ودَارَتْ دَوَائرُ البُرَحَاءِ

بسَلِيم الكُعُوبِ مُعتَدِلِ النَّصْ ... ل طَرِيرِ الشَبَا علَى الأَعداءِ

قُلْتُ والجُبْنُ مُمْسِكٌ بشَجَاهُ ... إِنَّهَا حَرْبُ تَغْلِبَ الغَلْبَاءِ

فتَنَاهَوْا ياَل المُرَارِ عن البَغْ ... يِ فلَسْنَا مِنْ تِلْكُمِ الأَحْيَاءِ

وقَدّم عمرُو بنُ هِنْد حارِثةَ ليقتُلَه، فقال للكَيِّس النَّمرِيّ: اقْتُل حارِثةَ، قال: ما أَنا كما سمَّتنْي أَمّي إِذنْ، ولكن أَدُلُّك على الأَبْلَهِ الشُّجاعِ قَيْسِ بن زُهَيْرٍ. فدعاه فقَتَلَه قَيسٌ، وقال الكَيِّس في ذلك:

دَعَا لِحِبائِهِ عَمْرُو بنُ هِنْدٍ ... لأَضْرِبَ رَأْسَ حارِثَةَ بنِ عَمْرِو

فقُلْتُ له علَيْك بمُرْتَقِنِّ ... وَلُوغٍ في دِماءِ سَرَاةِ بَكْرِ

فَيكْفِينِيهِ قَيْسُ بني زُهَيرٍ ... فُرحْتُ ولمْ أَبُؤْ مِنْه بوِتْرِ

وإِنّ بني أَبِي رَبيعَةَ طَلَبوا بدَمِ حَارِثَة، فلَم يزَالُوا يطْلُبون مِن قَيسِ بن زُهَيْرٍ غِرّةً، حتّى خَرَجَ في صَيْدِ له، فدُلّوا عليه، فقتلَهُ سَيْفُ بن حارِثةَ بأَبِيه وقال:

شَفَى نَفْسِي وقَدْ سَقِمَتْ زَمَاناً ... نِساءُ النّمْرِ تَصْرُخُ كُلَّ فَجْرِ

عَلى أَصداءِ قَيْس بَني زُهَيْرٍ ... كما هَتَكُوا بحارِثَةَ بن عَمْرِو

بُيُوتَ الحَيِّ من ذُهْلٍ وخَصّوا ... بجَدْعِ الأَنْف مِن أَولادِ بَكْرِ

وقال أُفْنُونُ التغلبيُّ في ذلك اليوم:

هَزَمْنَا جَمْعَ حارِثَةَ بنِ عَمْرٍو ... مع الغَلْفاءِ في العُصَبِ العِجَالِ

رَمَيْنَا همْ بأَرْعَنَ مُشْمَخِرٍّ ... يُهَدُّ لِصَوتِه صُمَّ الجِبَالِ

فظَلُّوا بَيْن مُعْتَبَطٍ قَتِيلٍ ... وكابِي الجَدِّ يَرْسُفُ في الغِلاَلِ

<<  <   >  >>