للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالَ: أَو تعرف الْعَرَب ذَلِك قلت: نعم، هَذَا العرجيّ يَقُول:

(أضاعوني وأيّ فَتى أضاعوا ... ليَوْم كريهة وسداد ثغر)

فَقَالَ الْمَأْمُون: قبح الله من لَا أدب لَهُ وأطرق مليأً، ثمَّ قَالَ لَهُ: مَا مَالك يَا نضر قَالَ: أريضة لي بمرو اتصابها واتمززها - أَي أشْرب صبابتها - قَالَ: أَفلا نفيدك مَالا مَعهَا قلت: إِنِّي إِلَى ذَلِك لمحتاج، قَالَ: فَأخذ القرطاس وَأَنا لَا أَدْرِي مَا يكْتب، ثمَّ قَالَ: كَيفَ تَقول إِذا أمرت أَن يترب الْكتاب قلت: أتربه قَالَ: فَهُوَ مَاذَا قلت: مترب، قَالَ: فَمن الطين قلت: طنه، قَالَ: فهوع مَاذَا قلت: مطين، قَالَ: هَذِه أحسن من الأولى، ثمَّ قَالَ: يَا غُلَام أتربه وَطنه، ثمَّ صلى بِنَا الْعشَاء وَقَالَ لِخَادِمِهِ: تبلغ مَعَه إِلَى الْفضل بن سهل.

قَالَ: فَلَمَّا قَرَأَ الْفضل الْكتاب، قَالَ: يَا نضر أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ قد أَمر لَك بِخَمْسِينَ ألف دِرْهَم، فَمَا كَانَ السَّبَب فِيهِ فَأَخْبَرته وَلم أكذبه، فَقَالَ: ألحنت أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقلت: كلا إِنَّمَا لحن هشيم - وَكَانَ لحانة، فتبع أَمِير الْمُؤمنِينَ لَفظه - وَقد تتبع أَلْفَاظ الْفُقَهَاء ورواة الْآثَار.

ثمَّ أَمر لي الْفضل من خاصته بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم.

فَأخذت ثَمَانِينَ ألف دِرْهَم بِحرف اسْتُفِيدَ مني.

قَالَ الْمُؤلف: قلت: وَقد اذْكُرْنِي هَذَا الْمثل أبياتا أنشدنيها أحدث أشياخي رَحِمهم الله لأبي الهيذام:

(لي صديق هُوَ عِنْدِي فِي عوز ... من سداد لَا سداد من عوز)

(وَجهه يذكرنِي دَار البلى ... كلما أقبل نحوي وضمز)

(وَإِذا جالسني جرعني ... غصص الْمَوْت بكرب وعلز)

(يصف الود إِذا شاهدني ... فَإِذا غَابَ وشى بِي وهمز)

(كخمار السوء يُبْدِي مرحا ... فَإِذا سيق إِلَى الْحمل غمز)

(لَيْتَني أَعْطَيْت مِنْهُ بَدَلا ... بنصيبي شَرّ أَوْلَاد الْمعز)

(قد رَضِينَا بَيْضَة فَاسِدَة ... عوضا مِنْهُ إِذا البيع نجز)

<<  <   >  >>