للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالْمرَاد بالتفة عنَاق الأَرْض لِأَنَّهَا تقتات اللَّحْم وتستغني عَن دقاق التِّبْن.

وَقد شدد بَعضهم الْفَاء من التفه وَجعل أَصْلهَا التففه، ثمَّ أدغم إِحْدَى الفائين فِي الْأُخْرَى كَمَا يفعل ذَلِك فِي الحرفين المتماثلين الواقعين فِي الْأَسْمَاء المضعفة.

[١٥٤] وَيَقُولُونَ لرضيع الْإِنْسَان: قد ارتضع بلبنه، وَصَوَابه ارتضع بلبانه، لِأَن اللَّبن هُوَ المشروب واللبان هُوَ مصدر لِابْنِهِ، أَي شَاركهُ فِي شرب اللَّبن، وَهَذَا هُوَ معنى كَلَامهم الَّذِي نَحوا إِلَيْهِ، ولفظوا بِهِ، واليه أَشَارَ الْأَعْشَى فِي قَوْله فِي صفة النَّار:

(تشب لمقرورين يصطليانها ... وَبَات على النَّار الندى والمحلق)

(رضيعي لبان ثدي أم تقاسما ... باسحم داج عوض لَا نتفرق)

يَعْنِي أَن المحلق الممدوح والندى ارتضعا ثدي أم، تحَالفا على أَنَّهُمَا لَا يتفرقان أبدا، لِأَن عوض من أَسمَاء الدَّهْر وَهُوَ مِمَّا يبْنى على الضَّم وَالْفَتْح، وعنى بالأسحم الداجي ظلمَة الرَّحِم الْمشَار إِلَيْهَا فِي قَوْله تَعَالَى: {يخلقكم فِي بطُون أُمَّهَاتكُم خلقا من بعد خلق فِي ظلمات ثَلَاث} .

وَقيل: بل عَنى بِهِ اللَّيْل، وعَلى كلا هذَيْن التفسيرين فَمَعْنَى تقاسما فيهمَا، أَي تحَالفا، وَقد قيل: أَن المُرَاد بِلَفْظَة تقاسما اقْتَسمَا، وَأَن المُرَاد بالأسحم الداجي الدَّم، وَقيل: بل المُرَاد بالأسحم اللَّبن لاعتراض السمرَة فِيهِ، وبالداجي الدَّائِم.

وَحكى ابْن نصر الْكَاتِب فِي كتاب الْمُفَاوضَة، قَالَ: دخل عَليّ أبي الْعَبَّاس بن ماسرجس رجل نَصْرَانِيّ، وَمَعَهُ فَتى من أهل مِلَّته حسن الْوَجْه، فَقَالَ لَهُ أَبُو الْعَبَّاس: من

<<  <   >  >>