للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْفِعْل من أَكثر من وَاحِد، فَمَتَى أسْند الْفِعْل مِنْهُ إِلَى أحد الفاعلين لزم أَن يعْطف عَلَيْهِ الآخر بِالْوَاو لَا غير وَإِنَّمَا اخْتصّت الْوَاو بِالدُّخُولِ فِي هَذَا الموطن لِأَن صِيغَة هَذَا الْفِعْل تَقْتَضِي وُقُوع الْفِعْل من اثْنَيْنِ فَصَاعِدا، وَمعنى الْوَاو يدل على الِاشْتِرَاك فِي الْفِعْل أَيْضا، فَلَمَّا تجانسا من هَذَا الْوَجْه، وتناسب مَعْنَاهُمَا فِيهِ، اسْتعْملت الْوَاو خَاصَّة فِي هَذَا الْموضع، وَلم يجز اسْتِعْمَال لَفْظَة مَعَ فِيهِ، لِأَن مَعْنَاهَا المصاحبة وخاصيتها أَن تقع فِي المواطن الَّتِي يجوز أَن يَقع الْفِعْل فِيهَا من وَاحِد، وَالْمرَاد بذكرها الْإِبَانَة عَن المصاحبة الَّتِي لَو لم تذكر لما عرفت، وَقد مثل النحويون فِي الْفرق بَينهَا وَبَين الْوَاو، فَقَالُوا: إِذا قَالَ الْقَائِل: جَاءَ زيد وَعَمْرو كَانَ إِخْبَارًا عَن اشتراكهما فِي الْمَجِيء على احْتِمَال أَن يَكُونَا جَاءَا فِي وَقت وَاحِد، أَو سبق أَحدهمَا.

فَإِن قَالَ: جَاءَ زيد مَعَ عَمْرو كَانَ إِخْبَارًا عَن مجيئهما متصاحبين، وَبَطل تَجْوِيز الِاحْتِمَالَيْنِ الآخرين، فَذكر لَفْظَة مَعَ هَاهُنَا أَفَادَ إِعْلَام المصاحبة، وَقد اسْتعْملت حَيْثُ يجوز أَن يَقع الْفِعْل فِيهِ من وَاحِد.

فَأَما فِي الموطن الَّذِي يَقْتَضِي أَن يكون الْفِعْل فِيهِ لأكْثر من وَاحِد، فَذكرهَا فِيهِ خلف من القَوْل، وَضرب من اللَّغْو وَلذَلِك لم يجز أَن يُقَال: اجْتمع زيد مَعَ عَمْرو، كَمَا لم يجز أَن يُقَال: اصطحب زيد وَعَمْرو مَعًا للاستغناء عَن لَفْظَة مَعَ بِمَا دلّت عَلَيْهِ صِيغَة الْفِعْل.

وَنَظِيره امتناعهم أَن يَقُولُوا: اخْتصم الرّجلَانِ كِلَاهُمَا للاستغناء بِلَفْظَة اخْتصم الَّتِي تَقْتَضِي الِاشْتِرَاك فِي الْخُصُومَة عَن التوكيد لِأَن وضع كلا وكلتا، أَن تؤكد الْمثنى فِي الْموضع الَّذِي يجوز فِيهِ انْفِرَاد أَحدهمَا بِالْفِعْلِ ليتَحَقَّق معنى الْمُشَاركَة، وَذَلِكَ فِي مثل قَوْلك: جَاءَ الرّجلَانِ كِلَاهُمَا لجَوَاز أَن يُقَال: جَاءَ الرجل، فَأَما فِيمَا لَا يكون فِيهِ الْفِعْل لوَاحِد فتوكيد الْمثنى بهما لَغْو.

وَمثل ذَلِك أَنهم لَا يؤكدون بِلَفْظَة كل إِلَّا مَا يُمكن فِيهِ التَّبْعِيض، فَلهَذَا أَجَازُوا أَن يُقَال: ذهب المَال كُله لكَون المَال مِمَّا يَتَبَعَّض، وَمنعُوا أَن يُقَال: ذهب زيد كُله لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يتَجَزَّأ، وَفِي مَعَ لُغَتَانِ أفصحهما فتح الْعين مِنْهَا، وَقد نطق بإسكانها، كَمَا قَالَ جرير:

(فريشي مِنْكُم وهواي مَعكُمْ ... وَإِن كَانَت زيارتكم لماماً)

<<  <   >  >>