للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معاً، ومع أنه تجاوز نطاق الشباب، وأطلت من خلال لحيته أشعة الشيخوخة، فما يزايله النشاط الذي يتميز سكان الريف وراكبي الإبل.

وكم قلت لإخوان لي وأنا ألاحظ هذا الهيكل الضامر النشيط: إنه ليذكرني بجنود الدعوة أيام زحفوا من هذه الجزيرة يفتحون أرض الله لدين الله.

وما أن يتحدث إليك حتى تأخذ هذه الصورة في استكمال عناصرها النفسية، من خلال تلك الصراحة الفطرية، التي لا تكاد تقع على مثلها إلا في النادر.

من هذه الصراحة في دروسه مثلا "وبخاصة في حصص التوحيد": شدته على القائلين بالمجاز، وقسوته على المخالفين لمذهب السلف في تقرير صفات الله تبارك وتعالى.

فالقول بالمجاز في القرآن طاغوت بنظر الشيخ، والإنصراف عن صريح البيان إلى ملتويات التأويل في صفات الخالق سبحانه طاغوت؛ لأنه في كلتا الطريقتين عدوان على حقائق الوحي.

وهو حين يسوق هذه الأحكام لا يلجأ إلى اللف والدوران، ولا يقدم علاجه المر مغلفا في (برشامة) على طريقة المنفلوطي، بل ويصبه في نبراته الصارمة، فتنزل على أسماع المخالفين "وما أكثرهم" كلذعات السياط، تنسيهم ما وراءها من الأدلة الدامغة، فيذهبون يشيعون عنه ما لم يقله، لأنهم لا يستطيعون الفصل بين حجته وشدته.

لقد بلغني ذات يوم أن طالبا قد أشاع عن الشيخ القول بأن لله يدين كيديه، وأنه جعل يمد يديه أثناء ذلك ويهزهما توكيداً لهذا التجسيم، والعياذ بالله؛ ولقيت ذلك الطالب فبينت له خطأه فيما ينقل عنه؛ لأن مذهب الشيخ

<<  <  ج: ص:  >  >>