إنكار كل تجسيم وتعطيل، وإنما كان يمد يده إشارة إلى أن لله يدين حقيقتين لا كيدينا، إبطالا لما يراه المعطلون والمشبهون؛ وبقليلٍ من التروي نذكر الطالب الواقع ورجع عما رمى به شيخه؛ وطبيعي أنه يذيع عنه تلك الفرية بسوء نية وإنما أخذ بوقع نبراته فاختلط عليه الأمر.
وعندما نذكر أثر الحياة البدوية في طباع الشيخ لا ننسى أن نضيف إليه موحيات العزلة التي عاشها مع قومه في تلك البيئة، إذ كان للاستعمار الفرنسي أثره الآخر في إيثارهم إياها، حفاظا على دينهم وعربيتهم، فما يكادون يتصلون به إلا على حذر أو كفاح، وبذلك حموا أنفسهم وذراريهم من أرجاسه فلم تتسرب إلى أخلاقهم لوثة من مباذله، ولم يتسلل إلى ألسنتهم حرف من لغته.
ومن هنا كان احتفاظ الشيخ بخصائص تلك البيئة في كل تصرفاته حتى اليوم، فلم تغيره الأحداث قط، على الرغم من كل التغيرات التي أحاطت به منذ هجرته إلى المملكة العربية السعودية عام ١٣٦٦هـ، وما أحسب في مستطاع أي تطور سلخه من تلك الخصائص مهما تبلغ من التأثير في سواه؛ فهو من هذه الناحية كالكثير من غيره ممن استولت مؤثرات البادية على كيانهم فلم تغيرهم الحضارة، ولم يرضوا أن يتغيروا قط، وقد سبق لأحمد بن الحسين "المتنبي" أن عاش الحياتين البدوية والحضرية ثلاثا وخمسين سنة، فالتهم الكثير من علوم الحضر ولابس الكثير من خصائص الحضارة، ولكن ذلك عجز عن أن يتغير من خلقه وأسلوبه البدوي قيد شعرة.