للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول أبو المعين النسفي١: "إن حمل الآيات على ظواهرها والامتناع عن صرفها إلى ما يحتمله من التأويل، يوجب تناقضاً فاحشاً في كتاب الله - تعالى -"٢.

ومن الأمثلة لذلك قول الرازي: "لما ثبت بالدليل أنه - سبحانه - منزه عن الجهة والجسمية، وجب علينا أن نضع لهذه الألفاظ الواردة في القرآن والأخبار محملاً صحيحاً، لئلا يصير ذلك سبباً للطعن فيها"٣.

وتأويلهم تحريف للفظ عن معناه الصحيح، وهم يستعينون على ذلك بغرائب المجازات، وبعيد اللغة، يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: "وأما أهل التحريف والتأويل فهم الذين يقولون إن الأنبياء لم يقصدوا بهذه الأقوال إلا ما هو الحق في نفس الأمر، وإن الحق في نفس الأمر هو ما علمناه بعقولنا، ثم يجتهدون في تأويل هذه الأقوال إلى ما يوافق رأيهم بأنواع التأويلات، التي يحتاجون فيها إلى إخراج اللغات عن طريقتها المعروفة، وإلى الاستعانة بغرائب المجازات والاستعارات"١.

ومن مظاهر عدم التزامهم ألفاظ الشرع واستبدالهم غيرها من الألفاظ؛ أن كتب العقائد التي يؤلفونها مليئة بألفاظ لم تجيء في الشرع، ومع ذلك هي عمدة مسائلهم، كحديثهم عن الجوهر والعرض والجسم والواجب والتحيز والجهة والمركب والمنقسمونحوها، فمثل هذه المسائل ليست هي أصول الدين - كما زعموا -، لأن أصول الدين هي ما بينه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ٥، أما هذه الألفاظ فلم يذكرها الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا صحابته من بعده في مسائل أصول الدين، مما يدل على أنها محدثة مبتدعة، وكل بدعة ضلالة.

وهناك من يذهب إلى أبعد من ذلك وهم الذين يطرحون النصوص، ولا يرون حجيتها في العقائد، وهم الذين يرون أن الأنبياء قصدوا ظواهر النصوص لإفهام العامة، وإن كان هذا الظاهر باطلاً ولكن للمصلحة فقط، وهؤلاء يسميهم ابن تيمية - رحمه الله - أهل


١ - الشيخ أبو المعين ميمون بن محمد النسفي الحنفي، من أشهر علماء الماتريدية، له مؤلفات كثيرة منها تبصرة الأدلة، وبحر الكلام توفي سنة ثمان وخمسمائة. انظر: الجواهر المضية٣/٥٢٧، كشف الظنون١/٢٢٥، ٣٣٧، ٤٨٤، ٥٦٣، ٥٦٩.
٣ - أساس التقديس ص ١٠٩.
١ - درء التعارض ١/١٢ وانظر بيان تلبيس الجهمية ١/٥٢٣.
٥ - انظر: درء التعارض ١/٢٤.

<<  <   >  >>