للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه الثاني عشر:

أن العلم بوجود صفات مشتركة ومختصة حق، لكن التمييز بين تلك الصفات بجعل بعضها ذاتياً تتقوم منه حقيقة المحدود، وبعضها لازماً لحقيقة المحدود تفريق باطل، بل جميع الصفات الملازمة للمحدود طرداً وعكساً هي جنس واحد؛ فلا فرق بين الفصل والخاصة، ولا بين الجنس والعرض العام.

وذلك أن الحقيقة المركبة من تلك الصفات إما أن يعني بها الخارجة، أو الذهنية، أو شيء ثالث. فإن عنى بها الخارجة فالنطق والضحك في الإنسان حقيقتان لازمتان يختصان به، وإن عنى الحقيقة التي في الذهن؛ فالذهن يعقل اختصاص هاتين الصفتين به دون غيره.

وإن قيل: بل إحدى الصفتين يتوقف عقل الحقيقة عليها، فلا يعقل الإنسان في الذهن حتى يفهم النطق، وأما الضحك فهو تابع لفهم الإنسان. وهذا معنى قولهم: الذاتي ما لا يتصور فهم الحقيقة بدون فهمه، أو ما تقف الحقيقة في الذهن والخارج عليه.

قيل: إدراك الذهن أمر نسبي إضافي. فإن كون الذهن لا يفهم هذا إلا بعد هذا؛ أمر يتعلق بنفس إدراك الذهن، ليس هو شيئاً ثابتاً للموصوف في نفسه. فلا بد أن يكون الفرق بين الذاتي والعرضي بوصف ثابت في نفس الأمر، سواء حصل الإدراك له أو لم يحصل، إن كان أحدهما جزءاً للحقيقة دون الآخر وإلا فلا١.

الوجه الثالث عشر:

أن الحد إذا كان له جزءان فلا بد لجزئيه من تصور كالحيوان والناطق، فإن احتاج كل جزء إلى حد لزم التسلسل أو الدور. فإن كانت الأجزاء متصورة بنفسها بلا حد - وهو تصور الحيوان، أو الحساس، أو المتحرك بالإرادة - فمن المعلوم أن هذه أعم. وإذا كانت أعم يكون إدراك الحس لأفرادها أكثر. فإن كان إدراك الحس لأفرادها كافياً في التصور فالحس قد أدرك أفراد النوع. وإن لم يكن كافياً في ذلك لم تكن الأجزاء معروفة، فيحتاج المعرِّف إلى معرِّف، وأجزاء الحد إلى حد٢.


١ - انظر: نقض المنطق ص ١٨٩.
٢ - انظر: المرجع السابق ص ١٩٢ - ١٩٣.

<<  <   >  >>