للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فحقيقة قولهم أنه لا يعلم الذاتي من غير الذاتي حتى تعلم الماهية، ولا تعلم الماهية حتى تعلم الصفات الذاتية التي منها تؤلف الماهية وهذا دور.

فإذا كان المتعلم لا يتصور المحدود حتى يتصور صفاته الذاتية، ولا يعرف أن الصفة ذاتية حتى يتصور الموصوف الذي هو المحدود، فيتوقف معرفتها على معرفتها، فلا يعرف هو ولا يعرف الذاتيات. وهذا كلام متين يجتاح أصل كلامهم، ويبين أنهم متحكمون فيما وضعوه، لم يبنوه على أصل علمي تابع للحقائق١.

الوجه العاشر:

أن الحدود إنما هي أقوال كلية، كقولنا حيوان ناطق، فتصور معناها لا يمنع من وقوع الشركة فيها، وإن كانت الشركة ممتنعة لسبب آخر، فهي إذن لا تدل على حقيقة معينة بخصوصها، وإنما تدل على معنى كلي. والمعاني الكلية وجودها في الذهن لا في الخارج، فما في الخارج لا يتعين، ولا يعرف بمجرد الحد، وما في الذهن ليس هو حقائق الأشياء، فالحد لا يفيد تصور الحقيقة أصلا٢.

الوجه الحادي عشر:

أن الحد من باب الألفاظ، واللفظ لا يدل المستمع على معناه إن لم يكن قد تصور مفردات اللفظ بغير اللفظ. لأن اللفظ المفرد لا يدل المستمع على معناه إن لم يعلم أن اللفظ موضوع للمعنى، ولا يعرف ذلك حتى يعرف المعنى. فتصور المعاني المفردة يجب أن يكون سابقاً على فهم المراد بالألفاظ. فلو استفيد تصورها من الألفاظ لزم الدور، وهذا أمر محسوس، فإن المتكلم باللفظ المفرد إن لم يبين للمستمع معناه حتى يدركه بحسه أو بنظره، وإلا لم يتصور إدراكه له بقول مؤلف من جنس وفصل٣.


١ - انظر: الرد على المنطقيين ص ٧٧ - ٧٨، مجموع الفتاوى ٩/١٠١ - ١٠٢.
٢ - انظر: نقض المنطق ص ١٨٦ - ١٨٧.
٣ - انظر: المرجع السابق ص ١٨٧.

<<  <   >  >>