للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاختيارية القائمة به، كالاستواء إلى السماء، والاستواء على العرش، والقبض والطي والإتيان والمجيء والنزول ونحو ذلك، بل والخلق والإحياء والإماتة"١، وقد ذكر - رحمه الله - الآيات والأحاديث التي تدل على اتصاف الله بذلك، ثم دلل من طريق العقل فقال: "وأما من جهة العقل فمن جوز أن يقوم بذات الله - تعالى - فعل لازم له كالمجيء والاستواء، ونحو ذلك لم يمكنه أن يمنع قيام فعل يتعلق بالمخلوق كالخلق والبعث والإماتة والإحياء"٢. كما بين - رحمه الله - اختصاص الرب - تعالى - بهذه الصفة فقال: "وكذلك المسيح لما خلق من الطين كهيئة الطير إنما مقدوره تصوير الطين، وإنما حصول الحياة فيه فبإذن الله، فإن الله يحيي ويميت، وهذا من خصائصه، ولهذا قال الخليل: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} "٣. ويقول الطبري - رحمه الله -: "وكان إحياء عيسى الموتى بدعاء الله، يدعو لهم فيستجيب له"٤.

كما أطلق الإحياء على إبقاء النفس المعصومة، وعدم قتلها، كما في قوله - تعالى -: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة - ٣٢] فقد قال المفسرون إن المراد بذلك أي: "من حرم قتل من حرم الله - عز ذكره - قتله على نفسه، فلم يتقدم على قتله فقد حيي الناس منه بسلامتهم منه وذلك إحياؤه إياها"٥.

وكذلك جاء في السنة أحيا ويحيي والمحيي، وكان معنى الإحياء في بعض الأحاديث يعني إحياء الموتى نحو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب، وإن الله أحيا أباك فكلمه كفاحاً ٦"٧، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من قال


١ - درء تعارض العقل والنقل ٢/٣، وانظر: مفتاح دار السعادة ٢ /٢٠٥.
٢ - درء تعارض العقل والنقل ٢ /٥.
٣ - النبوات ص ٤٣٨.
٤ - تفسير الطبري ٣/٢٧٨.
٥ - المرجع السابق ٦/٢٠٤، وانظر: تفسير ابن كثير ٢/٧٥.
٦ - كفاحاً: أي مواجهة من دون حجاب، قال الخليل في كتاب العين ٣/٦٥: "المكافحة مصادفة الوجه بالوجه عن مفاجأة،.. وكافحها قبلها عن غفلة وجاها، والمكافحة في الحرب المضاربة تلقاء الوجوه"، وانظر: الصحاح ١/٣٩٩.
٧ - أخرجه الترمذي في كتاب القراءات عن رسول الله، باب ومن سورة آل عمران ٥/٢٣٠ح ٣٠١٠، وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وأخرجه ابن حبان في صحيحه ١٥/٤٩٠، ح ٧٠٢٢، وهو في نوادر الأصول ١/٤٧٥. قال المنذري في الترغيب والترهيب ٢/٣١٤: "رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه بإسناد حسن أيضا، والحاكم وقال صحيح الإسناد".

<<  <   >  >>