للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما سبق يتبين أن الأمر في الشرع نوع من أنواع الكلام، وهو صفة من صفات الله الفعلية الذاتية، متعلق بقدرته ومشيئته، ويعني كلامه - سبحانه - في تدبيره لشؤون خلقه وتصرفه - سبحانه - فيهم، ومنه قوله - تعالى -: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف - ٥٤] ، وقد يكون بمعنى المخلوق المكون بالأمر، كقوله - تعالى -: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} [النساء - ٤٧] .

٣ - معنى الأمر عند المتكلمين:

بما أن الأمر هو الكلام - كما ذكرت قبل قليل - سأبين هنا أقوال الطوائف في صفة الكلام ومنه الأمر، وإذا نظرنا إلى الأشاعرة ومن وافقهم نجد أنهم يقولون إن كلام الله معنى واحد قائم بالنفس، وذلك المعنى هو الأمر بكل مأمور والخبر عن كل مخبر عنه والنهي عن كل منهي عنه، والأصوات والحروف مخلوقة، وهي عبارة عن الكلام، أو حكاية عنه - كما يقول ابن كلاب - فيكون الأمر عندهم معنى قائم بالنفس، وهوعين النهي والخبر١، قال أبو حامد الإسفراييني٢: "وذهب الأشعري ومن تابعه إلى أن الأمر هو معنى قائم بنفس الآمر، لا يفارق الذات ولا يزايلها، وكذلك عنده سائر أقسام الكلام من النهي والخبر والاستخبار وغير ذلك.. وسواء في هذا أمر الله - تعالى - أو أمر الآدميين، إلا أن أمر الله - تعالى - يختص بكونه قديماً وأمر الآدمي محدث، وهذه الألفاظ والأصوات ليست عندهم أمراً ولا نهياً، وإنما هي عبارة عنه..وكان ابن كلاب عبد الله بن سعيد القطان يقول هي حكاية عن الأمر"٣.

ويقرر الرازي أن الأمر مغاير للعبارات والحروف والأصوات، وأن حقيقة الأمر والنهي هي الإخبار! ثم يقول: "فثبت بما ذكرنا أن أمر الله - تعالى - صفة حقيقية قائمة بذاته، وتلك الصفة مدلولة لهذه الحروف والأصوات والعبارات والإطلاقات"٤.

وابن كلاب هو أول من ابتدع القول في أن كلام الله معنى قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت؛ محاولة منه في الرد على المعتزلة، وتبعه على ذلك الأشعري وغيره٥.


١ - انظر: الإرشاد ص١٠٤، ١٢٠.
٢ - الأستاذ العلامة شيخ الإسلام أبو حامد أحمد بن أبي طاهر محمد بن أحمد الإسفراييني شيخ الشافعية ببغداد. ولد سنة أربع وأربعين وثلاث. وتوفي سنة ست وأربع مائة. انظر: سير أعلام النبلاء ١٧/١٩٣ - ١٩٦.
٣ - درء تعارض العقل والنقل ٢/١٠٧، وكلام أبي حامد في كتابه التعليق في أصول الفقه.
٤ - المسائل الخمسون ص٥٤ - ٥٥، وانظر: الأربعين في أصول الدين ص١٧٨.
٥ - انظر: درء التعارض ٢/٨٤، ١١١، الاستقامة ١/٢١٢، مجموع الفتاوى ٥/٥٣٣، ٥٥٢.

<<  <   >  >>