للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن حجر - رحمه الله - معلقاً أيضا على كلام البخاري - رحمه الله -: "وسياق المصنف يقتضي التفرقة بين الفعل، وما ينشأ عن الفعل، فالأول من صفة الفاعل، والباري غير مخلوق فصفاته غير مخلوقة، وأما مفعوله وهو ما ينشأ عن فعله فهو مخلوق، ومن ثم عقبه بقوله: وما كان بفعله وأمره وتخليقه وتكوينه، فهو مفعول مخلوق مكون"١.

وقال البخاري - رحمه الله - في كتابه خلق أفعال العباد: "واختلف الناس في الفاعل والمفعول والفعل، فقالت القدرية: الأفاعيل كلها من البشر، ليست من الله، وقالت الجبرية: الأفاعيل كلها من الله، وقالت الجهمية: الفعل والمفعول واحد، ولذلك قالوا لـ "كن" مخلوق، وقال أهل العلم: التخليق فعل الله وأفاعيلنا مخلوقة..ففعل الله، صفة الله، والمفعول غيره من الخلق"٢.

وقال الإمام أبو حنيفة - رحمه الله - وهو يبين صفات الله الفعلية: "..وخالقاً بتخليقه والتخليق صفة في الأزل"٣. ويُعرف الإمام ابن مندة - رحمه الله - الخالق بقوله: "والخالق هو المقدر الفاعل الصانع، وهو الباري المصور فهذه صفة قدرته. والخلق منه على ضروب: منه خلق بيده ويخلق إذا شاء فقال: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص - ٧٥] ، ومنه ما خلق بمشيئته وكلامه، ويخلق إذا شاء، ولم يزل موصوفاً بالخالق الباري المصور قبل الخلق، بمعنى أنه يخلق ويصور"٤.

وقد بين شيخ الإسلام - رحمه الله - اللفظ المقصود بهذا المبحث فقال: "لفظ الخلق المراد به الفعل الذي يسمى المصدر، كما يقال خلق يخلق خلقاً كقوله: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان - ٢٨] ، وقوله: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} [الزمر - ٦] ، وقوله: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ} [الكهف - ٥١] وليس الكلام في لفظ خلق المراد به المخلوق ومنه قوله: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ}


١ - فتح الباري ١٣ /٤٤٨.
٢ - خلق أفعال العباد ص١٨٨.
٣ - شرح الفقه الأكبر ص٣٨.
٤ - كتاب التوحيد لابن مندة ٢/٧٦.

<<  <   >  >>