للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤ - معنى الخلق عند الفلاسفة:

يقول ابن سينا: "حد الخلق: هو اسم مشترك، فيقال: خلق لإفادة وجود كيف كان، ويقال خلق لإفادة وجود حاصل عن مادة وصورة كيف كان، ويقال خلق لهذا المعنى الثاني، بعد أن يكون لم يتقدمه وجود بالقوة، كتلازم المادة والصورة في الوجود"١.

وذكر هذه المعاني الغزالي، إلا أنه قال في المعنى الثالث: "وقد يقال خلق لهذا المعنى الثاني، لكن بطريق الاختراع، من غير سبق مادة فيها قوة وجوده، وإمكانه"٢.

وبتأمل معاني الخلق التي ذكرها ابن سينا، وذكرها الغزالي على أنها حد للخلق عند الفلاسفة، نجد أنها مبهمة، ليس فيها توضيح لمعنى الخلق، بل فيها أن الخلق يعني إفادة الوجود، دون سبق بالعدم، أو ذكر للخالق، وهذا ظاهر البطلان.

يقول شيخ الإسلام - رحمه الله - عن تعريف الفلاسفة للخلق: "وقد فسروا لفظ الخلق بثلاثة معان، ليس فيها واحد هو المراد في كلام الله - تعالى -، ورسوله، والمؤمنين، فإن ما يذكرونه من إفادة وجود الملائكة بالمعنى الأول، وما يذكرونه في اختراع الأفلاك والعناصر بالمعنى "الثالث"٣، لم يُرد واحداً منها الأنبياءُ، والمؤمنون، وذلك معلوم بالاضطرار والتواتر والإجماع، أما المعنى "الثاني"٤ فكذلك، فليس في كلام الرسل ما يثبت أن الخلق حاصل في أجسام هي مادة وصورة، بل كلامهم ينفي ذلك، وهذا بين"٥.

فهم يريدون بخلق الملائكة وهي التي يسمونها العقول والنفوس، أنها صادرة عن الله ومعلولة له، والمعلول ملازم للعلة غير متأخر عنها، فهي ليست مخلوقة ومسبوقة بالعدم، وهذا مناقض لما ورد عن خلق الملائكة في الكتاب والسنة.

ومن وجوه الرد على الفلاسفة في تحريفهم لمعنى لفظ الخلق ما يلي:


١ - الحدود لابن سينا ضمن كتاب المصطلح الفلسفي عند العرب ص٢٦٢، وانظر: معيار العلم ص٢٨٤.
٢ - معيار العلم ص٢٨٤.
٣ - هذه اللفظة ساقطة من أصول النسخ الخطية وأضاف المحقق لفظة "الثاني" هنا، والذي يظهر أنه المعنى الثالث كما أثيته.
٤ - هذه اللفظة موجودة في أصول النسخ الخطية للكتاب، وهي صحيحة كما يظهر، وقد عدلها المحقق لتكون الثالث، انظر: بغية المرتاد ص٢٣٨، تحقيق الدكتور موسى الدويش.
٥ - بغية المرتاد ص٢٣٧ - ٢٣٨ تحقيق الدكتور موسى الدويش، وانظر تفصيل الرد في المصدر نفسه ص٢٣٨ - ٢٤٣.

<<  <   >  >>