للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التهافت: "ليس الإيجاد شيئا إلا قلب عدم الشيء إلى الوجود"١، وهذا يشبه قول من قال إن المعدوم شيء، حيث يرون أن الشيء قبل أن يوجد فيه قوة للوجود، فإن العدم عندهم ذات ما٢، فهم يفرقون بين الوجود والثبوت، وهذا باطل، فالمعدوم ليس بشيء، فضلا عن أن يكون فيه قوة للوجود، بل وجود الشيء هو ثبوته.

وفي كتاب دستور العلماء: "الإيجاد إعطاء الوجود، وفي الإشارات إشارة إلى أنه يرادف الإبداع"٣.

وتعريف الإبداع عند ابن سينا - كما سبق -: "هو اسم مشترك لمفهومين؛ أحدهما تأسيس الشيء لا عن شيء، ولا بواسطة شيء، والمفهوم الثاني أن يكون للشيء وجود مطلق عن سبب بلا متوسط، وله في ذاته أن لا يكون موجودا وقد أفقد الذي له من ذاته إفقادا تاما "٤. والإبداع بهذا المعنى أعلى رتبة عند الفلاسفة من الإحداث والتكوين٥.فالإبداع عند الفلاسفة - باختصار - هو إيجاد شيء غير مسبوق بالعدم، وغير مسبوق بمادة أو زمان، وهذا المعنى الذي ذكره ابن سينا للإبداع باطل، يقول شيخ الإسلام - رحمه الله - معلقا عليه: "ومعلوم أن هذا المعنى ليس هو المعروف من لفظ الإبداع في اللغة التي نزل بها القرآن، كما في قوله - تعالى -: {بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [البقرة - ١١٧، الأنعام - ١٠١] ونحو ذلك، ولفظ الخلق أبعد عن هذا المعنى، فإن هذا المعنى يعلم بالاضطرار أنه ليس هو المراد بلفظ الخلق في القرآن والسنة"٦.

كما يفسر الفلاسفة الإحداث بالإيجاد، وهو أقل رتبة من الإبداع، ويتبين أنواع الإيجاد عندهم إذا نظرنا إلى معنى الإحداث الذي ذكروه، فالإحداث عندهم نوعان٧:

١ - الإحداث الزماني: وهو إيجاد شيء بعد أن لم يكن له وجود في زمان سابق.


١ - تهافت التهافت ص٩١.
٢ - انظر: المرجع السابق ص٧٧.
٣ - موسوعة مصطلحات دستور العلماء ص١٩١.
٤ - الحدود ضمن كتاب المصطلح الفلسفي ص٢٦٢، وانظر: معيار العلم ص٢٨٤.
٥ - انظر: الإشارات لابن سينا ٣/٩٥.
٦ - بغية المرتاد ص٢٣٧.
٧ - انظر: الحدود لابن سينا ضمن كتاب المصطلح الفلسفي ص٢٦٢.

<<  <   >  >>