للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على ذلك شبهتهم في نفي الصفات، حيث قالوا إن إثبات الصفات يستلزم تعدد القدماء، وهذا باطل. وقد رد عليهم أهل السنة في ذلك، ومن الوجوه التي ردوا بها عليهم:

أولاً: لقد أخطأ بعض المتكلمين عندما حصروا معنى القدم في الذي لم يسبقه عدم، أو الشيء الذي لا أول له. إذ لفظ القديم في اللغة يراد به المتقدم على غيره، وإن كان مسبوقا بالعدم. يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: "والواجب على من أراد أن يعرف مراد المتكلم أن يرجع إلى لغته، وعادته التي يخاطب بها، لا يفسر مراده بما اعتاده هو من الخطاب، فما أكثر ما دخل من الغلط في ذلك على من لا يكون خبيرا بمقصود المتكلم ولغته، كما أصاب كثيرا من الناس في قوله: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء - ٢] فإنهم ظنوا أن المحدث والقديم في لغة العرب، التي نزل بها القرآن، هو المحدث والقديم في اصطلاح المتكلمين، هو ما لا أول لوجوده وما لم يسبقه عدم، فكل ما كان بعد العدم فهو عندهم محدث، وكل ما كان لوجوده ابتداء فهو عندهم محدث، ثم تنازعوا فيما تقدم على غيره، هل يسمى قديماً حقيقةً، أو مجازاً، على قولين لهم. وأما اللغة التي نزل بها القرآن، فالقديم فيها خلاف المحدث، وهما من الأمور النسبية، فالشيء المتقدم على غيره قديم بالنسبة إلى ذلك المحدث، والمتأخر محدث بالنسبة إلى ذلك القديم، وإن كانا كلاهما محدثين بالنسبة إلى من تقدمهما، وقديمين بالنسبة إلى من تقدماه، ولم يوجد في لغة القرآن لفظ القديم مستعملاً إلا فيما يقدم على غيره، وإن كان موجوداً بعد عدمه، لكن ما لم يزل موجوداً هو أحق بالقدم"١. فإطلاق القديم على الأول الذي لم يسبق بعدم إطلاق صحيح، لكن لا يحصر لفظ القديم على هذا المعنى وحده.

ثانياً: يصف كثير من المتكلمين الله بأنه قديم٢، كما أدخل المتكلمون في أسماء الله - تعالى - القديم، وليس هو من الأسماء الحسنى، فإن القديم في لغة العرب، التي نزل بها القرآن، هو المتقدم على غيره، فيقال هذا قديم للعتيق، وهذا حديث للجديد، ولم يستعملوا هذا الاسم إلا في المتقدم على غيره، لا فيما لم يسبقه عدم. وقد أنكر ذلك على أهل الكلام كثير من السلف والخلف منهم ابن حزم. ولا ريب أنه إذا كان لفظ القديم مستعملاً في نفس التقدم، فإن ما تقدم على الحوادث كلها، فهو أحق بالتقدم من غيره،


١ - الصفدية ٢/٨٤ وانظر مجموع الفتاوى ١٢/١٠٥.
٢ - انظر: الأسماء والصفات للبيهقي ص٢٣، المفردات للراغب ص٦٦١.

<<  <   >  >>