للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واجب وجوب المقاصد هو المعرفة. ومن هؤلاء من يقول أول واجب هو القصد إلى النظر، وهو أيضا نزاع لفظي، فإن العمل الاختياري مطلقاً مشروط بالإرادة١.

أما القول بأن أول الواجبات هو الشك، وهو منسوب إلى أبي هاشم٢، فهو قول باطل لفظاً ومعنى؛ قال أبو المعالي بعد ذكره لقول أبي هاشم: "وهذا خروج منه من قول الأمة وتوصل منه إلى هدم أصله، وذلك أن كل واجب مأمور به، وتقدير الأمر بالشك متناقض إذ يثبت العلم بالأمر، واعتقاد ثبوته والعلم به مع التشكك فيه متناقضان"٣.

ومن لم يوجب الشك من المعتزلة قال إنه لا بد من حصوله وإن لم يؤمر به٤.

والقول بالشك قبل الاعتقاد باطل، ومن وجوه بطلانه أن هذا القول مبني على أصلين: أحدهما: أن أول الواجبات النظر المفضي إلى العلم.

والثاني: أن النظر يضاد العلم، فإن الناظر طالب للعلم، فلا يكون في حال النظر عالماً. وكلا الأصلين باطل٥. فمن فرق بين النظر في الدليل، وبين النظر الذي هو طلب الدليل، تبين له الفرق. والنظر في الدليل لا يستلزم الشك في المدلول، بل قد يكون القلب ذاهلاً عن الشيء ثم يعلم دليله، فيعلم المدلول، وإن لم يتقدم ذلك شك وطلب، وقد يكون عالماً به، ومع هذا ينظر في دليل آخر لتعلقه بذلك الدليل، فتوارد الأدلة على المدلول الواحد كثير، لكن هؤلاء لزمهم المحذور، لأنهم إنما أوجبوا النظر لكون المعرفة لا تحصل إلا به، فلو كان الناظر عالماً بالمدلول، لم يوجبوا عليه النظر، فإذا أوجبوه لزم انتفاء العلم بالمدلول، فيكون الناظر طالباً للعلم، فيلزم أن يكون شاكاً، فصاروا يوجبون على كل مسلم أنه لا يتم إيمانه حتى يحصل له الشك في الله، ورسوله، بعد بلوغه، سواء أوجبوه، أو قالوا هو من لوازم الواجب٦. فالقول بوجوب الشك قبل الاعتقاد قول ظاهر الفساد.


١ - انظر: درء التعارض٧/٣٧٣.
٢ - انظر: الشامل ١/٣٢، الدرء ٧/٣٥٣، المواقف ٣٢، شرح المقاصد ١/٢٧٢. وأبو هاشم عبد السلام بن الأستاذ أبي علي محمد ابن عبد الوهاب بن سلام الجبائي المعتزلي من كبار الأذكياء، أخذ عن والده الاعتزال، له كتاب الجامع الكبير وكتاب العرض، توفي سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة، وله عدة تلامذة. انظر: سير أعلام النبلاء ١٥/٦٣ - ٦٤.
٣ - الشامل ١/٣٢.
٤ - انظر: درء التعارض ٧/٤١٩.
٥ - انظر: المرجع السابق ٧/٤١٩.
٦ - انظر: المرجع السابق ٧/٤٢٠ - ٤٢١.

<<  <   >  >>