للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قيل عرفه. قال الله - تعالى -: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} [يونس - ٤٥] ، وقال - تعالى -: {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} [يوسف - ٥٨] فالمعرفة تشبه الذكر للشيء، وهو حضور ما كان غائباً عن الذكر.

الفرق الثالث: أن المعرفة تفيد تمييز المعروف عن غيره، والعلم يفيد تمييز ما يوصف به عن غيره. فإذا قلت علمت زيداً، لم يفد المخاطب شيئاً، لأنه ينتظر بعد أن تخبره على أي حال علمته، فإذا قلت كريماً أو شجاعاً، حصلت له الفائدة، وإذا قلت عرفت زيداً، استفاد المخاطب أنك أثبته، وميزته عن غيره، ولم يبق منتظراً لشيء آخر. وهذا الوجه قريب من الفرق الأول.

الفرق الرابع: قيل: إن المعرفة علم بعين الشيء مفصلاً عما سواه، بخلاف العلم فإنه قد يتعلق بالشيء مجملاً. وعلى هذا الحد فلا يتصور أن يعرف الله ألبتة. بل حقيقة هذا الحد انتفاء تعلق المعرفة بأكبر المخلوقات، حتى بأظهرها وهو الشمس، والقمر، بل لا يصح أن يعرف أحد نفسه، وذاته، ألبتة.

أما الصوفية فعندهم أن المعرفة أرفع من العلم، فلا تجدهم يتحدثون عن العلم بل عن المعرفة والعارف. يقول الإمام ابن القيم عنهم: "وهذه الطائفة ترجح المعرفة على العلم جداً، وكثير منهم لا يرفع بالعلم رأساً. ويعده قاطعاً وحجاباً دون المعرفة. وأهل الاستقامة منهم أشد الناس وصية للمريدين بالعلم"١.

فالمعرفة تتعلق بصورة الشيء وشكله، بينما العلم أعمق من ذلك فهو معرفة الصفات والأحوال. فالعالم عارف لكن العارف قد لا يكون عالماً.

٣ - معنى المعرفة عند المتكلمين:

يذكر كثير من المتكلمين المعرفة كمرادف للعلم، فالباقلاني يعرف العلم ويقول: "..حده أنه معرفة المعلوم على ما هو به، فكل علم معرفة، وكل معرفة علم"٢، وقال: "وقد ثبت أن كل علم تعلق بمعلوم، فإنه معرفة له؛ وكل معرفة لمعلوم فإنها علم به"٣.


١ - مدارج السالكين٣/٣٣٥.
٢ - الإنصاف ص١٣، وانظر: التمهيد ص٣٤، الإرشاد١٢.
٣ - التمهيد ص٣٤.

<<  <   >  >>