للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال القاضي عبد الجبار: "..المعرفة والدراية والعلم نظائر، ومعناها: ما يقتضي سكون النفس، وثلج الصدر، وطمأنينة القلب"١، وقال في تعريف المعرفة أنها: "الاعتقاد الذي تسكن به النفس، إلى أن معتقده على ما اعتقده عليه"٢.

ويرى الراغب أن المعرفة أخص من العلم فيقول: "المعرفة والعرفان: إدراك الشيء بتفكر وتدبر لأثره، وهو أخص من العلم، ويضاده الإنكار "٣.

وقال الجرجاني: "والمعرفة أيضاً إدراك الشيء على ما هو عليه، وهي مسبوقة بجهل، بخلاف العلم "٤. وقد اختلف أهل الكلام في أول واجب على المكلف، هل هو المعرفة، أو النظر، أو الشك؟ فقال بعضهم: إن أول واجب هو المعرفة٥، وقال بعضهم المعرفة لا تحصل إلا بالنظر فيكون النظر أول واجب. فقد أعطوا المعرفة هذه المكانة، رغم أنها بهذا اللفظ لم ترد في الكتاب أو السنة. ومن وجوه ضعف قولهم:

أولاً: أنه لم يرد مصطلح المعرفة، بهذا اللفظ، في الكتاب أو السنة، ولم يرد الأمر بها.

ثانياً: أن مجرد المعرفة بالصانع لا يصير به الرجل مؤمناً، بل ولا يصير مؤمناً بأن يعلم أنه رب كل شيء، حتى يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله٦.

ثالثاً: أن القول بأن المعرفة لا تحصل إلا بالنظر في طريقة الأعراض، والتركيب، ونحو ذلك من الطرق المبتدعة قول باطل، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر أحداً بهذه الطرق، ولا علق إيمانه، ومعرفته بالله، بهذه الطرق، بل القرآن وصف بالعلم، والإيمان، من لم يسلك هذه الطرق، ولما ابتدع بعض هذه الطرق من ابتدعها، أنكر ذلك سلف الأمة وأئمتها، ووسموا هؤلاء بالبدعة والضلالة٧.

فالمعرفة إذاً ليست أول واجب على المكلف، بل أول واجب هو الشهادتان.


١ - شرح الأصول الخمسة ص٤٦.
٢ - المرجع السابق ص٤٦، وانظر مناقشة هذه التعريفات في أصول الدين ص٥ - ٦، المواقف ص١٠.
٣ - المفردات ص٥٦٠.
٤ - التعريفات ص٢٧٥
٥ - انظر: درء التعارض ٨/٣ - ٥.
٦ - انظر: المرجع السابق ٨/١١ - ١٢.
٧ - انظر: المرجع السابق ٨/١٢.

<<  <   >  >>