للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والذي دفع المتكلمين إلى هذا القول؛ هو خشيتهم أن يفسد عليهم دليل حدوث العالم.

فيقال لهم: إن قدم أفعال الرب لا تستلزم قدم شيء من مفعولاته، "فليس مع الله شيء من مفعولاته قديم معه، لا بل هو خالق كل شيء، وكل ما سواه مخلوق له، وكل مخلوق محدث كائن بعد أن لم يكن، وإن قدر أنه لم يزل خالقاً فعالاً، وإذا قيل إن الخلق صفة كمال لقوله - تعالى -: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ} [النحل - ١٧] أفلا أمكن أن تكون خالقيته دائمة، وكل مخلوق له محدث مسبوق بالعدم، وليس مع الله شيء قديم، وهذا أبلغ في الكمال من أن يكون معطلاً غير قادر على الفعل، ثم يصير قادراً والفعل ممكناً له بلا سبب، وأما جعل المفعول المعين مقارناً له أزلاً وأبداً، فهذا في الحقيقة تعطيل لخلقه وفعله، فإن كون الفاعل مقارناً لمفعوله أزلاً وأبداً، مخالف لصريح المعقول"١.

وأما الفلاسفة فكما سبق في بيان توحيدهم أنهم ينفون عن الله كل صفة، ويثبتونه وجوداً مطلقاً، لا صفة له ولا فعل، وقد أضافوا إلى ذلك قولهم بقدم العالم، وهؤلاء هم أتباع أرسطو من المتقدمين والمتأخرين، وأما أساطين الفلاسفة قبل أرسطو فلم يحفظ عنهم القول بقدم العالم، والمنقول عنهم هو حدوث الأفلاك، ونقل أصحاب المقالات عن غير واحد من أئمتهم القول بإثبات الصفات لله، وبإثبات الأمور الاختيارية القائمة بذاته، وهذا قول من يقرب إلى صريح المعقول، وصحيح المنقول من الأوائل والأواخر منهم٢.


١ - مجموعة الرسائل ٥/٣٦٢ وانظر: شفاء العليل ص ١٥٦.
٢ - انظر: درء التعارض ٨/٢٨٦.

<<  <   >  >>