للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مع الله شيء من مفعولاته قديم معه، بل هو خالق كل شيء، وكل ما سواه مخلوق له، وكل مخلوق محدث كائن بعد أن لم يكن.

ثانياً: يقال للفلاسفة: هب أن الحوادث لم تزل تحدث شيئاً بعد شيء، فمن أين لكم أن الأفلاك قديمة؟ وهلا جاز أن تكون حادثة بعد حوادث قبلها؟ بل يقال هذا يبطل قولكم، فإنها إذا كانت متسلسلة، امتنع أن تكون صادرة عن علة تامة موجبة، فإن العلة التامة لا يتأخر عنها شيء من معلولها، والحوادث متأخرة، فيمتنع صدورها عن علة تامة بوسط أو بغير وسط١.

النوع الثالث: التسلسل الواجب وهو "ما دل عليه العقل والشرع من دوام أفعال الرب - تعالى - في الأبد، وأنه كلما انقضى لأهل الجنة نعيم أحدث لهم نعيماً آخر لا نفاد له، وكذلك التسلسل في أفعاله - سبحانه - من طرف الأزل، وأن كل فعل مسبوق بفعل آخر"٢، ولم يكن ربنا - تعالى - قط في وقت من الأوقات معطلاً عن كماله، من الكلام والإرادة، والفعل٣.

وجمهور أهل السنة يقولون لم يزل الله خالقاً فاعلاً، كما قال الإمام أحمد لم يزل الله عالماً متكلماً غفوراً، بل يقولون لم يزل يفعل إما بناء على أن الفعل قديم، وإن كان المفعول محدثاً، أو بناء على قيام الأفعال المتعاقبة بالفاعل، وإذا عرضنا على صريح العقل من يقدر على الأفعال المتعاقبة الدائمة، ويفعلها دائمة متعاقبة، ومن لا يقدر على الدائمة المتعاقبة، كان الأول أكمل٤.

والمتكلمون من المعتزلة والأشاعرة ينفون أن تقوم صفات الأفعال بالله؛ لتعلقها بقدرته ومشيئته، وهي التي يطلقون عليها نفي حلول الحوادث، كما ينفون تسلسلها، وهذا باطل، فقولهم إن الرب في الأزل لم يكن قادراً ثم صار قادراً، ونحوه، ليس بصحيح، بل هذا فيه سلب للرب صفة الكمال، وإثبات التغير بلا سبب يقتضيه، وذلك مخالفة لصريح المعقول والمنقول٥.


١ - انظر: درء التعارض ٩/١٤٨.
٢ - شفاء العليل ص١٥٦، وانظر: شرح الطحاوية ١/١٠٧.
٣ - انظر: شرح الطحاوية ١/١٠٧.
٤ - انظر: درء التعارض ٢/٢٦٨، ٢٢٠.
٥ - انظر: المرجع السابق ٩/١٨٥.

<<  <   >  >>