للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك وهلم جرا"١. وهو التسلسل في الحوادث، وقد وقع فيه خلاف، والناس فيه على ثلاثة أقوال:

الأول: قيل يجوز مطلقاً، وهذا قول أئمة السنة والحديث، وأساطين الفلاسفة، لكن المسلمين، وسائر أهل الملل، وجمهور العقلاء من جميع الطوائف يقولون أن كل ما سوى الله مخلوق حادث بعد أن لم يكن، بينما قالت الفلاسفة بقدم العالم.

الثاني: أنه لا يجوز لا في الماضي ولا في المستقبل. وهو قول الجهم بن صفوان، وأبي الهذيل العلاف.

الثالث: أنه يجوز في المستقبل دون الماضي، وهو قول أكثر أتباع جهم، وأبي الهذيل، من الجهمية والمعتزلة والأشعرية والكرامية ومن وافقهم٢.

وقد منع المتكلمون التسلسل في المفعولات من طرف الأزل، وقالوا باستحالته، وقد اعتقدوا أن القول بجوازه يفضي إلى القول بقدم العالم. وقد اعتُرض عليهم في قولهم بجواز دوام الحوادث في المستقبل دون الماضي، بأنه لا دليل لهم على التفريق بينهما٣.

وأما الفلاسفة فقالوا بجواز تسلسل المفعولات، بل قال بعضهم إن ذلك واجب؛ وأخذوا من ذلك دليلاً للقول بقدم العالم، ولم يفرقوا بين الآحاد والنوع.

وكلا القولين باطل، وقد رد عليهم أهل السنة وبينوا أن ذلك لا يعني القول بقدم العالم، فكل ما سوى الله - تعالى - مخلوق حادث بعد أن لم يكن، وإن تسلسل في الأزل والأبد. ومن هذه الردود:

أولاً: أن هؤلاء المتكلمين، والدهرية من الفلاسفة، اشتركوا في أصل فاسد تفرعت عنه مقالاتهم؛ وهو أن تسلسل الحوادث، ودوامها، يستلزم قدم العالم، بل قدم السماوات والأفلاك، والفلاسفة الدهرية أعظم إقراراً ببطلانه من المعتزلة، فإن تسلسل الحوادث ودوامها لا يقتضي قدم أعيان شيء منها، ولا قدم السماوات، والأفلاك، ولا شيء من العالم، والفلاسفة يسلمون أن تسلسل الحوادث لا يقتضي قدم شيء من أعيانها٤. فليس


١ - درء التعارض١/٣٢١.
٢ - انظر: الصفدية١/١٠ - ١١، منهاج السنة ١/٤٣٧ - ٤٣٨، ٢/٣٩٣، درء التعارض ١/٣٢١ - ٣٢٢، شرح الطحاوية ١/١٠٥.
٣ - انظر: درء التعارض ٢/٣٥٨ - ٣٩٥، ٩/١٨٦.
٤ - انظر: درء التعارض ٩/١٤٧ - ١٤٨، ٩/١٤٩ومابعدها، مجموعة الرسائل ٥/٣٥٧ - ٣٦١، شفاء العليل ص ١٥٦، شرح الطحاوية ١/١٠٣ - ١٠٨.

<<  <   >  >>